إلى أن انقطع عنهم الضوء وانصرفوا من غير فائدةٍ تجدي، ثم وعدهم خيراً، وصرفوا إلى موضع حبسهم، إلى أن بدأ جرى الريح الغربية؛ فعمر بهم زورق وعصبت عيونهم وجرى بهم في البحر برهةً من الدهر.
قال القوم: قدرنا أنه جرى بنا ثلاثة أيامٍ بلياليها، حتى جئ بنا إلى البر، فأخرجنا وكتفنا إلى خلفٍ، وتركنا بالساحل إلى أن تضاحى النهار، وطلعت الشمس، ونحن في ضنكٍ وسوء حالٍ من شدة الكتاف، حتى سمعنا ضوضاء وأصوات ناسٍ فصحنا بجملتنا، فأقبل القوم إلينا فوجدونا بتلك الحال السيئة؛ فحلوا أو ثاقنا وسألونا فأخبرناهم بخبرنا، وكانوا برابر، فقال لنا أحدهم: أتعلمون كم بينكم وبين بلدكم؟ فقلنا: لا، فقال: مسيرة شهرين! فقال زعيم القوم: واأسفى! فسمى المكان إلى اليوم آسفي، وهو المرسى الذي في أقصى المغرب.
[إشبيلية]
مدينة بالأندلس جليلة بينها وبين قرطبة مسيرة ثلاثة أيامٍ، ومن الأميال ثمانون. وهي مدينة قديمة أزلية، يذكر أهل العلم باللسان اللطينى أن أصل تسميتها إشبالى معناه المدينة المنبسطة، ويقال إن الذي بناها يوليش القيصر، وإنه أول من تسمى قيصر، وكان سبب بنائه إياها أنه لما دخل الأندلس ووصل إلى مكانها أعجبه كرم ساحته، وطيب أرضه، وجبله المعروف بالشرف. فردم على النهر الأكبر مكاناً، وأقام فيه المدينة وأحدق عليها بأسوارٍ من صخرٍ، وبنى في وسط المدينة قصبتين