بالأندلس من عمل جيان، كان الفنش نزل عليه مدة، وفيه القائد أبو جعفر بن فرج، فارس مشهور بالشجاعة، فرأى منه ضبطاً وصبراً وحسن دفاع؛ وكان عند الفنش مهندس من المسلمين المعاهدين بطليطلة، فصنع له برجاً عظيماً من خشب ارتفع به على سور الحصن، فلما أكمل المهندس عمله، بعث إلى ابن فرج في الباطن: إني صنعت هذا البرج اضطراراً لحفظ دمي، وصون من ورائي من الأهل، فاحتل في إحراقه، لئلا تكون ذنوب المسلمين في عنقي وعنقك، إن تركته وأنت قادر عليه بأنواع الحيل؛ وقد طليته بدهانٍ خفيٍ يقبل النار بسرعةٍ، فاعرف كيف تكون في الكتم والإبقاء على! فاختار ابن فرج من أنجاد الرجال جماعةً، ونهض بهم، وبأيديهم القطران والكتان والينران، ودفع تحت الظلام بهم نحو البرج، فأحرقه حتى صار رماداً، ومات من كان فيه ومن حامى عنه، ورجع سالماً. فاغتم الفنش وقال: هذا كان رجاؤنا في فتح الحصن، وقد طالت عليه إقامتنا، ولم يبق إلا أن نعلم قدر ما بقي فيه من الطعام والماء لنبنى أمرنا على حقيقةٍ في ذلك؛ فانتدب لهذا الشأن نصرانى ماكر أشقر أزرق أنحس، تقضى الفراسة بأنه جامع للشر، فأظهر أنه أسلم وأنه هرب من الوباء والغلاء