الواقعين في معسكرهم، فقبله المسلمون وخالطهم حتى اطلع على أنه لم يبق عندهم غير زبيب يقتسمونه بالعدد، وماء يتوزعونه بالقسط؛ فسار ونزل من السور ليلاً إلى أهل ملته، فأعلمهم بحقيقة الأمر؛ فوجه الفنش إلى ابن فرج: إنا قد اطلعنا على خبيئاتكم، ولم يبق إلا أن تسلموا الحصن، وتستريحوا من التعب، المفضى إلى الطب، أو تصبروا قليلاً حتى نظفر بكم رغماً، فنقتل جميعكم! فاشترط عليه ابن فرج أن يقيم لأهل الحصن سوقاً حتى يبيعوا مالا يقدر على حمله، وأن يدفع لهم دواب يحملون عليها أشياءهم إلى جيان فأوفى لهم بذلك. ولما خرج ابن فرج تعجب الفنش من طوله وعظم خلقته، وأنكر عليه كونه سلم عليه بالإشارة ولم يقبل يده، وتكلم معه الترجمان في ذلك فقال: لو كنت أخدمه أكان يجوز أن أقبل يد خصمه؟ فذكر ذلك للفنش فقال: لا يجوز! وضحك الفنش وقال: مثل هذا ينبغي أن تكون الرجال! وأحسن إليه وأعطاه فرسه وسلاحه وقال له: يعجبني أن يكون مثلك عند مثلي.
قال: وشغل الله تعالى الفنش مدةً طويلةً بهذا الحصن عن بلاد الإسلام، وكان الناس يرون ذلك في صفيحة ابن فرج، وكان ذلك في سنة٦٢٠.