بالأندلس، على قرطبة جبل يقال له جلطراء، يشرف على قرطبة وجميع منتزهاتها وقصورها، وهو وعر في الشتاء، ومزلة لا يستمسك عليه قدم، وفيه يقول بعض الظرفاء خفيف:
نشبتني أخاء من ليس يرعى ... لأخيه الودود حق الإخاء
تشبه الجمر والهواء مطير ... في جنوب الأجراف من جلطراء
وفي هذا الجبل جرف منقطع عالٍ جداً، تحته مهوى، بعيد مشرف على جميع بساتين رملة قرطبة، يعرف بجرف مواز؛ ومواز رجل أسود من أهل هذه القرية، كان يأتي كل غداة، فيقف بأعلى هذا الحرف، فينادي بأعلى صوته: يا أهل الرملة ثلاثاً يسمعهم عن آخرهم، لجهارة صوته، وإشراف معانية، فإذا تشوفوا له كشف لهم عن دبره، ويركع على أربع، قابضاً على أصل شجيرة كبرٍ هناك ثابتةٍ، يعتصم بها من السقوط؛ فلما طال ذلك عليهم من فعله، دسوا من قطع عروق تلك الشجرة التي كان يتمسك بها، وسوى عليها التراب كحالتها الأولى، وأتى مواز بالغد فصاح بهم على عادته، وصنع كمعهود صنيعه، فتهور من أعلى ذلك الجرف؛ فما وصل إلى الأرض إلا ميتاً فضرب به المثل، حتى قال بعض الشعراء سريع: