وإخراجه من مجلسه الحشود الأندلسية غضباً عليهم، ومخادعة النضارى لباقي الأجناد باشتهار الصلح والعمل على ضده، حتى خالطوهم على غفلة، فأخذ المسلمون في فرارٍ ما سمع بمثله، وكان ذلك في العقاب بين بجيان وقلعة رباح، في منتصف صفر من سنة٦٠٩ كما ذكرناه، وكانت شنيعةً؛ وفر الناصر لا يلوى على شئ حتى وصله إشبيلية، وتبعهم العدو حتى حال بينهم الليل، وأخذوا خباء الساقة، وماتت تحتهم الخيل، فمشى ودافع بكل طريق سلكوه، ومنهاج وردوه، وأتى القتل على خلقٍ كثيرٍ من المسلمين، وقتل فيها من الأعيان والطلبة جملة، منهم على بن الغانى الميورقى وابن عاتٍ الفقيه وغيرهما؛ وكان فرس الملك الناصر بادناً فلم يطق الحركة، فنزل له بعض العرب عن فرسه وقال له: اركبه فهو خير لك من هذا! وكان أمر أبا بكر بن عبدب الله بن أبي حفص بالوقوف تحت الراية، وحملت الروم فقصدت الراية ظنا منها أن الناصر عندها، فوضعت السيف فيمن واجهها، فقتلت خلقاً، وقتل أبو بكر هذا، وانهزم الناس، واستولى العدو على جميع المحلة وأكثر مضاربها.
ثم استولى الروم بعد ذلك على مدينتي بسطة وباغو، وما جاورهما من القرى والحصون، وقتلوا الرجال وسبوا الذرية، وكانت هذه الوقيعة أول وهنٍ دخل على الموحدين. فلم تقم بعد ذلك لأهل المغرب قائمة؛ ولما انتهى الناصر إلى إشبيلية آنس البلاد بخطاب كتبه إليهم بزخرفه الكاذب، ثم جاز البحر إلى مراكش فتوفى في قصره من مراكش سنة٦١٠؛ قيل عضه كلب وقيل غير ذلك.