شاءوا، حتى نجا تدمير في شرذمةٍ من قلال أصحابه إلى حصن أوريولة، وكان مجرباً بصيراً ذاهيبة؛ فلما رأى قلة أصحابه، أمر النساء فنشرن شعورهن، وأمسكن القصب بأيديهن فيمن بقى من الرجال، وقصد بنفسه كهيئة الرسول واستأمن، فأمن، وانعقد الصلح له ولأهل بلده، وفتحت تدمير صلحا؛ فلا نفذ أمره عرفهم بنفسه وأدخلهم المدينة، فلم يروا بها إلا نفراً يسيراً من الرجال، فندم المسلمون على ما كان منهم؛ وكان ما انعقد من صلح تدمير مع عبد العزيز على إتاوةٍ يؤديها، وجزيةٍ عن يدٍ يعطيها، وذلك على سبع مدائن: منها أوريولة، ولقنت، وبلانة، وغيرها. وتأريخ فتحها سنة٩٤.
ومن الغرائب ما حكى أن ديراً بقرطاجنة الخلفاء، كان على مقربة منها، بني لا مرأةٍ شهيدةٍ ولها قدر عندهم، وعلى القبر قبة، في أعلاها كوة، لا يعلو تلك القبة طائر، فإن علاها اجتذبته قوة من تلك الكوة، فسقط في القبة.
وقد أخبر رجل بهذه القصة وهو يتصيد بقرطاجنة فأنكر ذلك، واعتمد دفع جوارح وصيده على القبة، فتساقطت داخلها. وكان لتلك القبة مشهد عظيم في يوم من العام، يجتمع إليه الدانى والقاصى من نصارى تلك النواحي، وذلك في الرابع والشعرين من أعشت؛ فلما كانت سنة ٤١٤، قصده جماعة من نصارى بلاد إفرنجة في مركبٍ جرى إلى تلك القبة، فاستخرجوا منها الشهيدة وحملوها؛ فلما وصلوا بها إلى جزيرة صقلية بذل لهم نصاراها مالاً عريضاً ليتركوا المرأة عندهم فيقبروها في كنائسهم، فأبوا عليهم؛ ووصلوا بها إلى بلادهم.