رومة، واتخذوا طليطلة دار ملكهم وأقروا فيا سرير ملكهم إلى أن دخل عليهم الإسلام؛ وكان آخرهم لذريق، وكان قد أحدق بماردة سوراً عرضه اثنا عشر ذراعاً، وارتفاعه ثماين عشر ذراعاً، وكان على بابها مما يلي الغرب حنايات يكون طولها خمسين ذراعاً، متقنة البناء، عددها ثلاثمائة وستون حنية، وفي وسط قنطرتها برج محنى، يسلك تحته من سلك في القنطرة؛ وتفسيرها باللسان اللطينى مسكن الأشراف.
وقيل بل كانت دار مملكةٍ لماردة بنت هرسوس الملك، وبها من البناء آثار ظاهرة تنطق عن ملكٍ وقدرة، وتعرب عن نخوةٍ وعزٍ وتفصح عن غبطةٍ وعبرة؛ لها في قصبتها قصورة خربة، وفيها دار يقال لها دار الطبيخ، وهي في ظهر القصر، وكان الماء يأتي في دار الطبيخ في ساقية، هي الآن باقية الأثر، فتوضع صحاف الذهب والفضة بأنواع الطعام في تلك الساقية على الماء حتى تخرج بين يدي الملكة، فترفع على الموائد، ثم إذا فرغ من أكل ما فيها وضعت في الساقية، فتستدير إلى أن تصل إلى يد الطباخ بدار الطبخ، فيرفعها بعد غسلها، ثم يمر ذلك الماء في سروب القصر؛ ومن أغرب الغرائب جلب الماء الذي كان يأتي إلى القصر على عمدٍ مبنيةٍ تسمى الارجالات، وهي أعداد كثيرة باقية إلى الآن، قائمة على قوائم لم تخل بها الأزمان، ولا غيرتها الدهور، فمنها قصار، ومنها طوال، بحسب الأماكن التي كان فيها البناء، وأطولها يكون غلوة سهمٍ، وهي على خطٍ مستقيمٍ؛ وكان الماء يأتي عليها في قنى مصنوعةٍ خربت وقنيت، وبقيت تلك الارجالات قائمةً، يخيل إلى الناظر إليها أنها من حجرٍ واحدٍ لحكمة إتقانها وتجويد صنعتها؛ وفي الجنوب من سور هذه المدينة قصر آخر صغير، وفي برج منه مكان مرآةٍ كانت الملكة ماردة تنظر إلى وجهها فيه،