واحتال على الرسل حتى اعتقلهم وأودعهم في السجون، ثم تحرك من ميورقة على المذكور إلى بجاية، فاحتال حتى استولى عليها وملكها، ولما تم له ذلك أتى الجزائر فدخلها، ثم مليانه ومازونة، ثم دخل أشير عنوةً ثم أتى القلعة فملكها؛ وبعد ثلاث من دخولها كانت له في العرب الحطمة المشهورة، وبث في هذه البلاد عمالاً وحكاماً ثم قصد قسطينة فسار إليها وحاصرها أشهراً فلم يفلح؛ وهنا بلغه أن عسكراً برياً، وأسطولاً بحرياً هاتئذٍ أيتاه من المغرب، ووصل الأسطول والعسكر إلى بجاية، فأخرج نائبه منها، وهو أخوه يحيى، فتوجه إلى أخيه على وهو على قسنطينة وخلى للقوم بلدهم، ثم توجها معاً نحو القبلة، ومرا بالقلعة فاستأصلاها، ثم سار علي إلى قفصة فأخذها، ثم توزر، ومع ذلك جاء عسكر المغرب فيه المنصور يعقوب، فجهز إليه عسكراً، فالتقوا بوطاء عمرة؛ فكانت الوقيعة المشهورة والهزيمة العظيمة على عسكر المنصور بعد الإثخان الكثير في أصحابه وتبددوا في الصحراء.
وكان أول خروج ابن غانية من ميورقة لذلك في سنة ٥٨٠، وهي السنة التي مات فيها صاحب مراكش والمغزب يوسف بن عبد المؤمن، ثم بقى على بن إسحق وأخوه يحيى يهيمان في تلك الجهات؛ ولما بلغ المنصور خبر وقيعة عمرة وما جرى فيها على عسكره، امتعض من ذلك واستبد برأيه، فتوجه بنفسه حتى نزل على قفصة فحاصرها حصاراً عظيماً، إلى أن نزلوا على حكمه، فحكم فيهم بالسيف، وأثر فيهم الأثر الشنيع، وهدم سورها.
ولابن مجبر في ذكر ذلك قصيدة مليحة جداً. منها بسيط:
ما غبر قفصة إلا أنها اجترمت ... فلم يكن عند أهل الحلم تثريب