الاستقصاء لطال الكتاب، وقل إمتاعه؛ فقتصرت لذلك على المشهور من البقاع وما في ذكره فائدة ونكتفى عما سوى ذلك، ورتبته على حروف المعجم لما في ذلك من الإحماض المرغوب فيه، ولما فيه من سرعة هجوم الطالب على اسم الموضع الخاص من غير تكلف عناء ولا تجشم تعبٍ؛ فقد صار هذا الكتاب محتوياً على فنين مختلفين: أحدهما ذكر الأقطار الجهات، وما اشتملت عليه من النعوت والصفات؛ وثانيها الأخبار والوقائع والمعاني المختلفة بها، الصادرة عن مجتليها؛ واختلست ذلك ساعات زماني، وجعلته فكاهة نفسي؛ وأنصبت فيه بفكري وبدني؛ ورضته حتى انقاد للعمل، وجاء حسب الأصل، فأصبح طارداً للهموم، ملقيا للغموم، وشاهداً بقدرة القيوم؛ مغنيا عن مؤانسة الصحب، منبها على حكمة الرب؛ باعثاً على الاعتبار، مستحضراً لخصائص الأقطار؛ مشيراً لآثار الأمم وأحداثها، مشيراً إلى وقائع الأخباز وأنبائها؛ ثم إني قسته بالكتاب الأخبارى المسمى بنزهة المشتاق فوجدته أعظم فائدةً وأكثر أخباراً وأوسع في فنون التواريخ وصنوف الأحداث مجالاً حتى في وصف البلاد فإنه إنما ذكر نبذة منها شيئاً قليلاً في مواضع مخصوصةٍ معدودة، بل إنما عظم حجمه بما اشتمل عليه من قوله: من فلانة إلى فلانة خمسون ميلاً أو عشرون فرسخاً، ومن فلانة إلى فلانة كذا وكذا، أما الخبر عن الأصقاع مما يحسن إيراده، ويلذ سماعه، من خبرٍ ظريف، أو وصفٍ يستغرب أو يستملح، فإنما يوجد فيه في مواضع قليلةٍ معدودةٍ، إلى غير ذلك من عسر وجدان الناظر فيه بمطلوبه بأول وهلةٍ بل بعد البحث والتفتيش.
وجعلت الإيجاز في هذا الكتاب قصدى، وحرصت على الاختصار جهدي؛