وبقرب بجانة كان جامع الإقليم بالأعظم، إلا أنها كانت حارات مفترقة حتى نزلها البحريون وتغلبوا على ما كان فيها من العرب وصار الأمر لهم فجمعوها وبنوا سورها، وامتثلوا في ذلك ببنية قرطبة وترتيبها، وجعلوا على أحد أبوابها صورة تشا كل الصورة التي على باب القنطرة، فأمتها الناس من كل جهةٍ وانجفلوا إليها من كل ناحيةٍ، فارين من الفتن التي كانت إذ ذاك شاملةً، فكانت أمنا لمن قصدها، وحرماً لمن لجأ إليها، وكانت الميرة تجلب إليها من العدوة، وضروب المرافق والتجارات؛ وكان ذلك أيضاً من الأسباب الداعية إلى قصدها واستيطانها، وصار حولها أرباض كثيرة. ويدخلها من النهر جدولان، أحدهما بأعلى المدينة من جانب الشرق ويسقى بساتينها كلها، والثاني يشق الأرباض الجوفية، ويخرج عنها إلى الأرباض القبلية، حتى يقع في النهر هناك؛ وجامعها داخل المدينة، بناه عمر بن أسود، وفيه قبو على قبةٍ فيها أحدى عشر حنية، منضربة على أربعة عشر عموداً، فنقش أعاليه بنقوش عجيبة. وبغربى القبو ثلاث بلاطات أوسع من الشرقية على عمد صخرٍ، وفي الصحن بئر عذبة؛ وكان بمدينة بجانة إحدى عشر حماماً، وطرز حريرٍ ومتاجر رابحة، وكان يذهب الوادي الآتي من شرقيها كثيراً من أرباضها وأسواقها عند حمله.
وبشرقى بجانة على ثلاثة أميالٍ جبل شامخ فيه معادن غريبة، وفيه الحمة العجيبة الشأن، ليس لها نظير في الأندلس، في طيب مائها وعذوته وصفائه وبذرقته ونفعه عموم بركته، يقصدها أهل الأسقام والعاهات من جميع النواحي، فلا يكاد يخطئهم نفعها، وعليها من بناء الأول صهريج إلى جانب العين مربع واسع كانوا قد