وكان السبب في ذلك فساد الصلح المنقعد بين الطاغية وبين المعتمد؛ فإن المعتمد اشتغل عن أداء الضريبة في الوقت الذي صارت عادته يؤديها فيه، بغزو ابن صمادح صاحب المرية، واستنفاده ما في يديه بسبب ذلك، فتأخر لأجل ذلك أداء الإتاوة عن وقتها، فاستشاط الطاغية غضباً، وتشطط فطلب بعض الحصون زيادة على الضريبة، وأمعن في التجنى، فسأل في دخول امرأته القمطيجة إلى جامع قرطبة لتلد فيه من حملٍ كان بها، حيث أشار إليه بذلك القسيسون والأساقفة، لمكان كنيسةٍ كانت في الجانب الغربي منه، ومعظمةٍ عندهم، عمل المسلمون عليها الجامع الأعظم؛ وسأل أن تنزل امرأته المذكورة بمدينة الزهراء غربي مدينة قرطبة، تنزل بها فتختلف منها إلى الجامع المذكور، حتى تكون تلك الولادة بين طيب نسيم الزهراء، وفضيلة ذلك الموضع الموصوف من الجامع، وزعم أن الأطباء، أشاروا عليه بالولادة في الزهراء، كما أشار عليه القسيسون بالجامع، وسفر بذلك بينهما يهودى، وكان وزيراً لابن فرذلند، فتكلم بين يدي المعتمد ببعض ما جاء به من عند صاحبه، فأيأسه ابن عباد من جميع ذلك، فأغلظ له اليهودى في القول، وشافهه بما لم يحتمله، فأخذ ابن عباد محبرة كانت بين يديه، فأنزلها على رأس اليهودى، فألقى دماغه في حلقه، وأمر به فصلب منكوساً بقرطبة.
واستفتى ابن عباد الفقهاء لما سكت عنه الغضب، عن حكم ما فعله باليهودى، فبادره الفقيه محمد بن الطلاع بالرخصة في ذلك، لتعدى الرسول حدود الرسالة إلى ما يستوجب له القتل، إذ ليس له أن يفعل ما فعل؛ وقال للفقهاء حين خرجوا: إنما بادرت بالفتوى خوفاً أن يكسل الرجل عما عزم عليه من منابذة العدو، وعسى الله أن يجعل في عمزيمته للمسلمين فرجاً!