مشهوراً برزانة الاعتقاد. وقال لعذاله ولوامه: يا قوم أنا من أمري على حالتين، حالة يقين وحالة شكٍ، ولا بد لي من إحداهما؛ أما حالة الشك فإني إن استندت إلى ابن تاشفين أو إلى ابن فرذلند ففي الممكن أن يفيالي ويبقيا على، ويمكن ألا يفعلا؛ فهذه حالة الشك. وأما حالة اليقين، فهي أني إن استندت إلى ابن تاشفين فأنا أرضي الله، وإن استندت إلى ابن فرذلند أسخطت الله، فإذا كانت حالة الشك فيها عارضة فلأي شيء أدع ما يرضى الله وآتي ما يسخطه! وحينئذ أقصر أصحابه عن لومه.
فلما عزم خاطب جاريه المتوكل عمر بن محمد صاحب بطليوس، وعبد الله بن حبوس ابن ماكسن الصنهاجي صاحب إغرناطة، يأمرهما أن يبعث إليه كل واحدٍ منهما قاضي حضرته، ففعلا؛ ثم استحضر قاضي الجماعة بقرطبة أبا بكر عبيد الله بن أدهم، وكان أعقل أهل زمانه؛ فلما اجتمع القضاة عنده بإشبيلية، أضاف إليهم وزيره أبا بكر ابن زيدون، وعرفهم أربعتهم أنهم رسله إلى يوسف بن تاشفين، وأسند إلى القضاة ما يليق بهم من وعظ يوسف، وترغيبه في الجهاد؛ وأسند إلى ابن زيدون ما لا بد منه في تلك السفارة، من إبرام العقود السلطانية. وكان يوسف بن تاشفين لا تزال تفد عليه وفود ثغور الأندلس، مستعطفين، مجهشين بالبكاء، ناشدين الله والإسلام، مستنجدين بفقهاء حضرته، ووزراء دولته، فيستمع إليهم، ويصغى لقولهم، وترق نفسه لهم؛ فما عبرت رسل ابن عباد البحر إلا ورسل يوسف بالمرصاد؛ وقد آذن صاحب سبتة بقصده الغزو، وتشوقه إلى نصرة أهل الإسلام بالأندلس، وسأله أن يخلى الجيوش تجوز في المجاز؛ فتعذر عليه، فشكاه يوسف إلى الفقهاء، فأفتوا أجمعين بما لا يسر صاحب سبتة.
ولما انتهت الرسل إلى ابن تاشفين أقبل عليهم، وأكرم مثواهم، وجددوا الفتوى