الفقيه الناسك أبو العباس أحمد بن رميلة القرطبي وكان في محلة ابن عباد فرحاً مسروراً، يقول إنه رأى النبي " - صلى الله عليه وسلم - " فبشره بالفتح والشهادة له في صبيحة غدٍ وتأهب ودعا ودهن رأسه وتطيب، وانتهى ذلك إلى ابن عباد، فبعث إلى يوسف فخبره بها تحقيقاً لما توقعه من غدر ابن فرذلند، فحذروا أجمعين، ولم ينفع ابن فرذلند ما حاوله من الغدر.
ثم جاء في الليل فارسان من طلائع المعتمد، يخبران أنهما أشرفا على محلة ابن فرذلند وسمعا ضوضاء الجيوش، واضطراب الأسلحة. ثم تلاحق بقية الطلائع محققين بتحرك ابن فرذلند، ثم جاءت الجواسيس من داخل محلة ابن فرذلند يقولون: استرقنا السمع الساعة فسمعنا ابن فرذلند يقول لأصحابه: ابن عباد مسعر هذه الحروب، وهؤلاء الصحراويون، وإن كانوا أهل حفاظٍ وذوي بصائر في الجهاد، فهم غير عارفين بهذه البلاد، وإنما قادهم ابن عباد، فاقصدوه واهجموا عليه، واصبروا، فإن انكشف لكم هان عليكم الصحراويون بعده، ولا أرى ابن عباد يصبر لكم إن صدقتموه الحملة! وعند ذلك بعث ابن عبد كاتبه أبا بكر بن القصيرة إلى يوسف يعرفه بإقبال ابن فرذلند، ويستحث نصرته، فمضى ابن القصيرة يطوي المحلات حتى جاء يوسف بن تاشفين، فعرفه بجلية الأمر، فقال له: قل له إني سأقرب منك إن شاء الله تعالى. وأمر يوسف بعض قواده أن يمضي بكتيبةٍ رسمها له حتى يدخل محلة النصارى فيضرمها ناراً، ما دام ابن فرذلند مشتغلاً مع ابن عباد.
وانصرف ابن القصيرة إلى المعتمد، فلم يصله إلا وقد غشيته جنود ابن فرذلند، فصدمها ابن عباد صدمةً قطعت آماله، ولم ينكشف له، فحميت الحرب بينهما، ومال ابن فرذلند على المعتمد بجموعه، وأحاطوا به من كل جهةٍ فاستحر القتل فيهم،