الصادقون المجاهدون يخاطرون بأنفسهم؛ لأنهم باعوها لله: ﴿إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْدًا عَلَيْهِ حَقًّا فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُوا بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيم (١١١)﴾ [التوبة]، فهذا عقد المبايعة، والمشتري هو الله، وهو مالك النفوس، لكنه تعالى كرمًا منه جعل بذل المؤمنين لأنفسهم بطوعهم واختيارهم، وبذلهم لأموالهم بيعًا، وسمَّى قبوله شراءً، والثمن الجنة.
فالمؤمنون المجاهدون يكرهون الموت، لكن يحبون ما يحبه الله، فالجهاد يحبه الله، فهم يحبونه ويستعذبونه؛ لأن الله ﷾ يحبه، فتضمحل هذه الكراهة وتضعف حتى ما يحس الصادق بهذه الكراهة، وهذا يدل على قوة الإيمان وصدق الرغبة، وكذلك عند الصدقة والبذل لله، فكل أحد يكره إخراج الصدقة والمال، إلا إذا قوي إيمانه، فيصير في نفسه ارتياح يخرج به المال، وهو منشرح الصدر يتهلل، وهكذا سائر الأعمال الصالحة الشاقة مكروهة على النفوس بمقتضى الطبع، وهذه الكراهة هي المرادة في قوله ﷺ:«حفت الجنة بالمكاره»(١).
أما البغض الذي هو كفر ونفاق، فهو الذي يرى أنه إن صلى فهو عابث، لكنه يصلي رياءً؛ لأنه بين المسلمين فيخشى إن لم يصلِ أن يُشنِّعوا عليه، كما كان بعض المنافقين في عهد الرسول ﷺ يصلون ويجاهدون حتى إن أمرهم قد يخفى على بعضهم، بل خفي أمر بعضهم على رسول الله ﷺ