يكن معه - صلى الله عليه وسلم - إلا أبو بكر وعامر بن فهيرة , وقد قتل مصعباً - رضي الله عنه - يوم أحد , ولم يأخذ من عرض الدنيا شيئا (١).
فلما نزل مصعب بن عمير على أسعد بن زرارة رضي الله عنهما , بدأ - رضي الله عنه - في تعليم أهل المدينة ونشر الإسلام فيها , فضرب أروع الأمثلة حين اتخذ المنهج التربوي مسلكا , في حسن المعاشرة والمجالسة , وفي فن الحديث والاستماع له , وفي الصبر وسعة الصدر. وقد أعانه بعد توفيق الله له , ذكاؤه - رضي الله عنه - , وعلمه الذي نهله من النبي - صلى الله عليه وسلم - في دار الأرقم بن أبي الأرقم - رضي الله عنه - , وتلك المواقف التي مر بها بعد إسلامه من المحن والتعذيب.
"قال ابن إسحاق: وحدّثني عبيد الله بن المغيرة بن معيقيب، وعبد الله بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم أن أسعد بن زرارة خرج بمصعب بن عمير، يريد به دار بني عبد الأشهل , ودار بني ظفر، وكان سعد بن معاذ بن النعمان بن امرئ القيس بن زيد بن عبد الأشهل ابن خالة أسعد بن زرارة، فدخل به حائطا من حوائط بني ظفر فجلسا فيه، واجتمع إليهما رجال ممّن أسلم، وسعد بن معاذ، وأُسيد بن حضير يومئذ سيّدا قومهما من بني عبد الأشهل، وكلاهما مشرك على دين قومه، فلما سمعا به قال سعد بن معاذ لأسيد بن حضير: لا أبا لك، انطلق إلى هذين الرجلين اللذين قد أتيا دارنا ليسفّها ضعفاءنا، فازجرهما وانههما عن أن يأتيا دارنا، فإنه لولا أن أسعد بن زرارة منّي حيث قد علمت كفيتك ذلك، فهو ابن خالتي ولا أجد عليه مقدما. قال: فأخذ أسيد بن حضير حربته، ثم أقبل إليهما. فلما رآه أسعد بن زرارة قال لمصعب بن عمير: هذا سيّد قومه فاصدق الله فيه, قال مصعب: إن يجلس أكلّمه. قال: فوقف عليهما
(١) العيني ,محمود بن أحمد: عمدة القاري شرح صحيح البخاري , دار إحياء التراث العربي , بيروت , د. ط , ١٣٤٨هـ , ٢٣/ ٥٦.