للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

هدوء , مع أن الشاب طلب أمراً محرماً , فأخذ - صلى الله عليه وسلم - بأسلوب الاستفهام .. أتحبه ... أفتحبه ... ؛ لكي يُشعر الشاب عِظَم ذلك الجُرم , حتى يقرر بمخالفة ما حدثته به نفسه , فكانت النتيجة اقتناع ذلك الفتى وإقلاعه عن هذه المخالفة تأثراً بهذا الأسلوب النبوي الرفيع الذي خاطب عقله وألهب مشاعره دون أن يتعرض له بشيء من السب أو السخرية والاستهزاء.

فهذه الاستفهامات يستعملها المربي ليُشعر المُحاور بأهمية ذلك الأمر , وليستخرج منه القرارات السليمة , لأن هناك أموراً واضحة لا تتطلب جهداً , فإذا ضعفت النفس البشرية , وأرادت ما يخالف طبيعتها , رجعت بالاستفهامات إلى جبلتها الفطرية وحب الخير.

٣ - عن البراء - رضي الله عنه -: أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما أراد أن يعتمر أرسل إلى أهل مكة يستأذنهم ليدخل مكة، فاشترطوا عليه أن لا يقيم بها إلا ثلاث ليال، ولا يدخلها إلا بجُلُبَّان السلاح، ولا يدعو منهم أحدا، قال: فأخذ يكتب الشرط بينهم علي بن أبي طالب - رضي الله عنه - , فكتب هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله، فقالوا: لو علمنا أنك رسول الله لم نمنعك ولبايعناك، ولكن اكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبد الله، فقال: «أنا والله محمد بن عبد الله، وأنا والله رسول الله» قال: وكان لا يكتب، قال: فقال لعلي: «امح رسول الله» فقال علي - رضي الله عنه -: والله لا أمحاه أبدا، قال: «فأرنيه»، قال: فأراه إياه فمحاه النبي - صلى الله عليه وسلم - بيده، فلما دخل ومضت الأيام، أتوا عليا، فقالوا: مر صاحبك فليرتحل، فذكر ذلك علي - رضي الله عنه - لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -، فقال: «نعم» ثم ارتحل (١).


(١) البخاري: مصدر سابق , كتاب الجزية, باب المصالحة على ثلاثة أيام أو وقت معلوم, ٤/ ١٠٣ , رقم ٣١٨٤.

<<  <   >  >>