قال أبو عبيدة فلما بلغ الأخطل قول جرير:
لاقيتَ مطلع الجراء بنابهِ ... روق شبيبته وعمرك فإني
قال الأخطل صدق إنه لشاب ولقد وليت، ولقد أديل نابغة بني جعدة مني حيث عيرته بالكبر. قال
وذلك قوله:
لقد جارى أبو ليلى بِقُحمٍ ... ومنتكث على التقريب واني
إذا ألقى الخبار كبا لفيه ... يخر على الجحافل والجِرانِ
قال أبو عبيدة حدثني أدهم العبدي، وهو ختن لابن الكلبي، وكان عالما بأيام الناس ذا سن وتجربة،
عن رجل أراه من بني سعد. قال كنت مع نوح بن جرير في أصل سدر - أو قال شجرة - فقلت
قبحك الله وقبح أباك، فانه أفنى عمره في مدح عبد ثقيف الحجاج، وأما أنت فانك مدحت قثم بن
العباس، فعجزت أن تمدحه بمآثره ومآثر آبائه، حتى مدحته بقصر بناه أو كلام يشبه هذا. فقال أما
والله لئن سؤتني في هذا الموضع لقد سؤت فيه أبي. إني قلت له يوما وأنا آكل معه، يا أبت أأنت
أشعر أم الأخطل؟ وفي فيه لقمة وفي يده أخرى، فجرض بالتي في فيه، ورمى بالتي في يده. ثم قال
يا بني لقد سررتني وسؤتني، فأما ما سررتني فيه فتعاهدك هذا وشبهه، وأما ما سؤتني فيه فذكرك
رجلا قد مات، يا بني لو أدركت الأخطل وله ناب آخر لأكلني، ولكن أعانني عليه خصلتان: كبر
سنه، وخبث دينه. وقال الأخطل:
لما جرى هو والفرزدق لم يكن ... نزقا ولا عند المَئينِ ضبورا
لاقى لآل مجاشع لما جرى ... ربذا يثير بشدة تغبيرا