والله تعالى وتر انفرد عن خلقه فجعلهم شفعا، فالله عز وجل خلق المخلوقات بحيث لا تعتدل ولا تستقر إلا بالزوجية ولا تهنأ على الفردية والأحدية، يقول تعالى: (وَمِنْ كُلِّ شَيْءٍ خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (الذاريات:٤٩)، فالرجل لا يهنأ إلا بزوجته وبغيرها لا يشعر بسعادته فلا بد من الزوجية ومشاركته لأسرته، والتوافق بين محبتهم ومحبته، فيراعى في قراره ضروريات أولاده زوجته، ولا يمكن أن تستمر الحياة التي قدرها الله على خلقه بغير الزوجية، حتى في تكوين أدق المواد الطبيعية، فالمادة تتكون من مجموعة من العناصر والمرَكَّبات، وكل عنصر مكون من مجموعة من الجزيئات، وكل جزيء مكون من مجموعة من الذرات، وكل ذرة لها نظام في تركيبها تتزواج فيه مع أخواتها، سواء كانت الذرةُ سالبةً أو موجبةً، فالعناصر في حقيقتها عبارة عن أخوات من الذرات متزاوجات متفاهمات، متكاتفات ومتماسكات ففي علم الطبيعة والفيزياء معلوم أنه لا يتكون جزئُ الماء إلا إذا اتحدت ذرتان من الهيدروجين مع ذرة واحدة من الأكسجين؟ فالذرات متزاوجة سالبها يرتبط بموجبها، لا تهدأ ولا تستقر إلا بالتزاوج من بعضها البعض، فهذه بناية الخلق بتقدير الحق، بنيت على الزوجية والشفع، أما ربنا عز وجل فذاته صمدية وصفاته فردية، فهو المنفرد بالأحدية والوترية، كما ثبت في السنة النبوية: (إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وِتْرٌ يُحِبُّ الْوِتْرَ). وقد قيل أيضا في معنى الشفع والوتر أن الشفع: تنوع أوصاف العباد بين عز وذل، وعجز وقدرة، وضعف وقوة، وعلم وجهل، وموت وحياة، والوتر: انفراد صفات الله عز وجل فهو العزيز بلا ذل، والقدير بلا عجز، والقوي بلا ضعف، والعليم بلا جهل، وهو الحي الذي لا يموت، القيوم الذي لا ينام، ومن أساسيات التوحيد والوترية أن تفرد الله عمن سواه في ذات الله وصفاته وأفعاله ...].