وأما إن كان مباحاً بألّا يصحبه آلة أو تلحين مذموم، ونحو ذلك فالتفريق له وجه؛ قال شيخ الإسلام ابن تيمية في مجموع الفتاوى (١١/ ٥٦٦): [وليس في حديث الجاريتين أن النبي - صلى الله عليه وسلم - استمع إلى ذلك، والأمر والنهى إنما يتعلق بالاستماع لا بمجرد السماع، كما في الرؤية فانه إنما يتعلق بقصد الرؤية لا بما يحصل منها بغير الاختيار، وكذلك في اشتمام الطيب إنما ينهى المحرم عن قصد الشم فأما إذا شم ما لم يقصده فانه لا شيء عليه وكذلك في مباشرة المحرمات كالحواس الخمس من السمع والبصر والشم والذوق واللمس إنما يتعلق الأمر والنهى من ذلك بما للعبد فيه قصد وعمل وأما ما يحصل بغير اختياره فلا أمر فيه ولا نهى ...] وقال الإمام ابن رجب في " نزهة الأسماع (ص/٥١): [يباح للنساء في أيام الأفراح الغناء بالدف وإن سمع ذلك الرجال تبعا وهذا مذهب فقهاء الحديث كالشافعي وأحمد وغيرهما وهو قول الأوزاعي وغيره وروي عن عمر بن عبد العزيز رحمه الله تعالى وقد كان طائفة من الكوفيين من أصحاب ابن مسعود رضي الله عنه ومن بعدهم لا يرخصون في شيء من ذلك بحال]. وبيان وجه التفريق في هذه الحالة أن الاستماع يفهم منه المداومة على السماع، فمن المقرر أن هذا النوع من اللهو المباح رُخِصَ فيه على خلاف الأصل لعلة، ففي العرس لإعلان النكاح، وفي العيد فرحاً بجائزة الله - عز وجل - لعباده على تمام العبادة، والحداء إنما يكون في السفر لأجل الحاجة إليه في السير في الليل، لطرد النعاس، واهتداء الإبل إلى الطريق بصوت الحادي، والارتجاز عند الضجر لمزاولة الأعمال الشاقة، كالبناء ونحوه، وإنشاد الشعر المشتمل على مدح الإسلام، وذم الكفر وهجاء الكفار إنما أبيح لنصرة الإسلام والرد على أعدائه، وكل هذا إنما أبيح بصفة مؤقتة، عند وجود داعيه، ولا فرق في هذه الحالة بين إنشاده، وسماعه، وإسماعه. وأما اعتياد ذلك بأن يفعل في غير وقته الذي أبيح فعله فيه فمكروه، وإن قلنا بالتحريم فلا يبعد - ولقد نشأت ناشئة ضلت الطريق فامتهنت الغناء، وسموه بالأناشيد الإسلامية فلبسوا على العامة، وقد تكلم العلماء في بيان فساد هذا العمل. - ومن الوجوه التي يستدل بها على حظر تعود استماع الشعر في غير محله، ما يلي: