الخامس: الاحتيال على أخذ حقه، أو بعضه، أو بدله بخيانة كما تقدم، وله صور كثيرة. منها: أن يجحده دينه كما جحده. ... ومنها: أن يخونه في وديعته كما خانه. ... ومنها: أن يغشه في بيع معيب كما غشه هو في بيع معيب. ... ومنها: أن يسرق ماله كما سرق ماله. ... ومنها: أن يستعمله بأجرة دون أجرة مثله ظلما، وعدوانا، أو غرورا، وخداعا، أو غبنا، فيقدر المستأجر له على مال، فيأخذ تمام أجرته. وهذا النوع يستعمله كثير من أرباب الديوان، ونظار الوقوف، والعمال، وجباه الفيء، والخراج، والجزية، والصدقة، وأمثالهم ...]. (١) قال الراغب الأصفهاني في مفردات القرآن مادة (حول): [حيلة والحويلة: ما يتوصل به إلى حالة ما في خفية، وأكثر استعمالها فيما في تعاطيه خبث، وقد تستعمل فيما فيه حكمة ...]. وقال ابن القيم في إعلام الموقعين (٣/ ٢٤٠ - ٢٤١) تحت عنوان الحيلة اشتقاقها ومعناها: [والحيلة مشتقة من التحول وهي النوع، والحالة كالجلسة، والقعدة، والركبة، فإنها بالكسر للحالة، وبالفتح للمرة، كما قيل: الفعلة للمرة، والفعلة للحالة، والمفعل للموضع، والمفعل للآلة. وهي من ذوات الواو فإنها من التحول من: حال يحول، وإنما انقلبت الواو ياء لانكسار ما قبلها، وهو قلب مقيس مطرد في كلامهم، نحو: ميزان، وميقات، وميعاد، فإنها مفعال من الوزن، والوقت، والوعد. فالحيلة هي نوع مخصوص من التصرف، والعمل الذي يتحول به فاعله من حال إلى حال ثم غلب عليها بالعرف استعمالها في سلوك الطرق الخفية التي يتوصل بها الرجل إلى حصول غرضه بحيث لا يتفطن له إلا بنوع من الذكاء، والفطنة، فهذا أخص من موضوعها في أصل اللغة، وسواء كان المقصود أمراً جائزاً، أو محرماً، وأخص من هذا استعمالها في التوصل إلى الغرض الممنوع منه شرعاً، أو عقلاً، أو عادة، فهذا هو الغالب عليها في عرف الناس، فإنهم يقولون: فلان من أرباب الحيل ولا تعاملوه فإنه متحيل، وفلان يعلم الناس الحيل. وهذا من استعمال المطلق في بعض أنواعه كالدابة، والحيوان، وغيرهما]. (٢) المقصود هنا مدلول أو أثر أو مقتضى خطاب الشرع، من وجوب، وحرمة، ونحو ذلك. وهذا إنما يتمشى على طريقة الفقهاء، لا الأصوليين في تعريف الحكم الشرعي. (٣) وهذا الشطر مشكل، والظاهر أن معناه أننا نبطل حكم النص الناتج عن طريق المكر والكيد المذمومين، معاملة للمحتال بنقيض قصده، فعلى سبيل المثال من توصل إلى حل زوجته المطلقة البائنة منه عن طريق المحلل، فهنا نعامله بنقيض قصده، فنلغى هذا الحكم الذي توصل إليه عن طريق الحيلة فلا يترتب عليه آثاره، وهكذا من توصل إلى عدم وجوب الزكاة عليه بتفريق النصاب على بعض أقاربه قبل مضي الحول، ثم يستردها بعد ذلك، فهنا نبطل هذا الحكم، ونوجب عليه الزكاة. وهذا المعنى هو الظاهر من كلام الناظم، إلا أنه حتى يستقيم، فلابد من أحد هذه الاحتمالات: الأول: أن الباء فيه سببية، فالمعنى أننا نبطل حكم النص الناتج بسبب التحايل، والمكر المذمومين. الثاني: وهو قريب من الأول أن الباء فيه تكون بمعنى مع، كنحو قوله تعالى: {قَدْ جَاءَكُمُ الرَّسُولُ بِالْحَقّ} (النساء/١٧٠)، أي مع الحق. الثالث: أن الواو في صدر هذا الشطر، خطأ وأن الصواب إبدالها، بالفاء، فيكون معنى البيت أننا لا نسقط التكاليف الشرعية بالحيل المذمومة، مما يكون مؤداه إبطال أحكام النصوص بالكيد والمكر.