(١) اتفق العلماء على إثبات هاتين النفختين، لقوله تعالى في سورة الزمر: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ ثُمَّ نُفِخَ فِيهِ أُخْرَى فَإِذَا هُمْ قِيَامٌ يَنْظُرُونَ} (الزمر:٦٨)، ولقوله - صلى الله عليه وسلم - فيما رواه البخاري (٤/ ١٨١٣) (٤٥٣٦)، ومسلم (٤/ ٢٢٧٠) (٢٩٥٥) عن أبي هريرة - رضي الله عنه - مرفوعاً: (ما بين النفختين أربعون) الحديث، وعنه أيضاً مرفوعاً عند البخاري (٣/ ١٢٥٤) (٣٢٣٣)، ومسلم (٣/ ١٨٤٣) (٢٣٧٣): (لا تفضلوا بين أنبياء الله فإنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله قال ثم ينفخ فيه أخرى فأكون أول من بعث) الحديث، وفي الباب أحاديث، وآثار أخرى. ولكنهم اختلفوا فيما زاد على ذلك، فذهب الإمام أبي بكر بن العربي، وشيخ الإسلام، وابن كثير، والسفاريني، وغيرهم إلى أن النفخات ثلاث، فزادوا نفخة الفزع، التي تسبق نفخة الصعق، واستدلوا لإثباتها بقوله تعالى في سورة النمل: {وَيَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَفَزِعَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَكُلٌّ أَتَوْهُ دَاخِرِينَ} (النمل:٨٧)، وقد ردَّ القرطبي الاستدلال بهذه الآية فقال في التذكرة: (ص/٢٠٠): [نفخة الفزع هي نفخة الصعق؛ لأن الأمرين لازمان لها، أي: فزعوا فزعاً ماتوا منه، والسنة الثابتة على ما تقدم من حديث أبي هريرة وحديث عبد الله بن عمرو، وغيرهما يدل على أنهما نفختان لا ثلاث، وهو الصحيح إن شاء الله تعالى. قال الله تعالى: {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ} (الزمر: ٦٨) فاستثنى هنا كما استثنى في نفخة الفزع فدل على أنهما واحدة]، واستدلوا أيضاً بحديث ضعيف رواه الطبري (٨/ ٢٨٩)، وغيره عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: (يا رسول الله ما الصور؟ قال: قرن قال: وكيف هو؟ قال: قرن عظيم ينفخ فيه ثلاث نفخات: الأولى: نفخة الفزع والثانية: نفخة الصعق والثالثة: نفخة القيام لرب العالمين)، وقال ابن حجر في الفتح (١١/ ٣٦٨): سنده ضعيف، ومضطرب.، وذهب ابن حزم إلى أن النفخات أربع، قال ابن حجر في الفتح (٦/ ٤٤٦): [زعم ابن حزم أن النفخات يوم القيامة أربع: الأولى نفخة إماتة يموت فيها من بقي حيا في الأرض، والثانية نفخة إحياء يقوم بها كل ميت، وينشرون من القبور ويجمعون للحساب، والثالثة نفخة فزع، وصعق يفيقون منها كالمغشي عليه لا يموت منها أحد، والرابعة نفخة إفاقة من ذلك الغشي. وهذا الذي ذكره من كون الثنتين أربعا ليس بواضح، بل هما نفختان فقط، ووقع التغاير في كل واحدة منهما باعتبار من يستمعها، فالأول يموت بها كل من كان حيا، ويغشى على من لم يمت ممن استثنى الله، والثانية يعيش بها من مات، ويفيق