(٢) لم أقف على هذا الكلام عن الخلال. وظاهر من الروايات السابقة موقف أئمة السلف من أهل البدع والمعاصي وأنهم يهجرون زجرًا لهم عن بدعتهم لعلهم يرتدعون ويرجعون، وكذلك تنفيرًا للناس عنهم حتى يعرفوا فيحذرهم الناس ويحذرون الاجتماع بهم والأنس إليهم وهذا فيه مصلحة للمبتدع والعاصي نفسه، لأنه سيجد نفسه في عزلة وهذا لعله يكون دافعًا له إلى التوبة، وكذلك فيه مصلحة للناس الأخرين وذلك لأن البدع وكذلك الأخلاق السيئة تعدي كما يعدي الجرب وقد تسري البدعة في الإنسان خاصة إذا كان جاهلًا وهو لا يعلم، ويكفي في بيان ضرر ذلك حديث النبي ﷺ "مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك ونافخ الكير فحامل المسك إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه، وإما أن تجد منه ريحًا طيبة ونافخ الكير إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحًا خبيثة" أخرجه خ. البيوع - (٤/ ٣٢٣) م، البر والصلة (٤/ ٢٠٢٦) من حديث أبي موسى الأشعري ﵁، واللفظ لمسلم. والهجر كما هو ظاهر من النصوص السابقة ومن كلام الخلال الأخير هو لمن أظهر بدعته وأظهر فسقه وفجوره أما من استتر بها فإنه لا يهجر قال شيخ الإسلام ابن تيمية بعد أن ذكر قصة كعب ابن مالك ﵁ وهي من الأصول التي بنى عليها العلماء هجر أهل المعاصي والبدع: "فبهذا ونحوه رأى المسلمون أن يهجروا من ظهرت عليه علامات الزيغ من المظهرين للبدع والداعين إليها والمظهرين للكبائر، فأما من كان مستترًا بمعصية أو مسرًا لبدعة غير مكفرة فإن هذا لا يهجر، وإنما يهجر الداعي إلى البدعة إذ الهجر نوع من العقوبة وإنما يعاقب من أظهر المعصية قولًا أو عملًا. مجموع الفتاوى (٢٤/ ١٧٤) ولا بد أن يعلم أن في الشرع أمرين: التأليف والهجر والمسلم البصير يستخدم كل واحد منهما في مكانه الصحيح الذي تتحقق به الحكمة المقصودة وهي رفع الشر أو تقليله والدعوة إلى الخير وإظهاره، وقد كان النبي ﷺ يهجر أناسًا ويؤلف أناسًا قال شيخ الإسلام" وهذا الهجر يختلف باختلاف الهاجرين في قوتهم وضعفهم وقلتهم وكثرتهم فإن المقصود به زجر المهجور وتأديبه ورجوع العامة عن مثل حاله، فإن كانت المصلحة في ذلك راجحة =