وذكر أصحابُ التواريخ أنّ عمرَ بن الخطّاب أمر بالقيام في شهر رمضانَ
في المدينة، وكتب إلى البلدان في سنة أربعَ عشرةَ، ثم لم يزل كذلك طولَ
سنينه وأيام نظره إلى أن مات رضوانُ الله عليه، ولم يزل الأمرُ كذلك إلى
أيام عثمانَ وعلي والتلاوةُ تكثر، والحفظُ يتّسع، والقرآنُ ينتشر، والإصغاءُ
إليه يحصلُ من الصغير والكبير، والحاضرِ والبادي، والقاصي والداني، فلا
يُحفَظُ على أحدٍ من الناس أنه قال في طول تلك الأيام: إنَّ القرآنَ مبدَّلٌ
ومُغَيّر، ومَزِيد فيه ومنقوص منه، ومرتَّب على غير سَنَنِه ووجهه الذي أُنزِلَ
عليه، ولا يقدح بهذا على راعٍ ولا رعية، ولا تابعٍ ولا متبوع، ولا يتناكرُ
الناسُ شيئا مما يظهر بينهم منه، ولا يَتحزَّن مُتحزِّن ولا يتأسَّفُ متأسِّفٌ على
ضياع شيءٍ منه، ولا يطعن طاعنٌ، ولا يقدح قادح على تاليه ومقرئه وكاتبه
وناسخه بتغيُّر شيءٍ منه، أو الزيادةِ فيه، أو النقصان منه، وكل هذا يدلُّ
دلالةً بيِّنةً على تكدُّب مَن ادَّعى تغييرَ القرآن وانقطاعَ نقله وخفاءَ أمره، وقلةَ حُفاظه، وانصرافَ هِمَم الناس ودواعيهم عن حفظِه وإحرازِه، وأنه لو وقع فيه تغييرٌ أو تبديلٌ، أو زيادة أو نقصان، أو مخالفةٌ في الترتيب لسارع الناسُ إلى نقل ذلك والمذاكرة به، والتذامرُ لأجله، والإبداءِ والإعادة له، وفي فقدِ العلم بذلك دليل على بطلانِ ما يدعونه من هذا الباب.
فإن قال قائل: هذا الفصلُ من الكلام ومِنْ فعلِ عمرَ وسيرتِه وإن كان
شاهداً لكم على ما قلتم، وحجةً لصحةِ ما اعتقدتم، فإنه من أوله إلى آخره
طعن على عمرَ وقدحٌ فيه، وغضّ في عمله وقدره، لأنكم جميعاً تشهدون
عليه بأنه أحدثَ في هذا الباب سُنَّةً لم تكن على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، وفعلَ ما لم يره الرسولُ صواباً، وقدَّم رأيه لرأي النبي - صلى الله عليه وسلم -، واعتقد أنه قد استدركَ من مصلحةِ الأمة وحُسن الاحتياطِ لها ما ذهب على