دليل لهم آخرُ على تغييرِ المصحفِ ونقصانِ القرآن، وتحريفِ السَّلفِ له
واستدلُوا على ذلكَ بأن قالوا: وجدنا فيه كتابةً لا معنى لها، ولا يجوزُ
أن يستعمِلها إلاّ من يَخافُ المُدَاراةَ أو يَحتاجُ إلى التّوريةِ والمُداجاة، والله
تعالى يُجَل عن ذلك، وقد وجَدنا في المصحف: (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا) .
قالوا: وهذا لا معنى له، ولا وُجِد مِن ربِّ العالَمين، وقد
رُوينا عن الأئمة والسلفِ من شيعةِ أميرِ المؤمنينَ عليه السّلامُ: أنّ فلاناً هذا
الذي كَنَّا القَومُ عن ذِكره، كانَ رجلاً معيناً مُسمى في نفسِ التنزِيل باسمهِ
المشهور، فَحذَفَ القومُ ذِكرَه، واتّبعهم النّواصبُ على ذلكَ وجعلوا مكانه
فلانا، قالوا: وكان هذا الرّجلُ عمرَ بنَ الخطابِ، قالوا وقولُه: (وَيَوْمَ يَعَضُّ الظَّالِمُ عَلَى يَدَيْهِ) ، قالوا: يعني أبا بكرٍ يقولُ: (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا) ، يعني عمرَ، وإنَّما قال: ليتني لم أتخذ عُمرَ خليلاً لقد أضلني
عن الذكر بعدَ إذ جاءَني، يعني أنّ عمرَ أضلّه عن اتِّباعِ عليّ وتسليمِ الأمرِ
إليه، والانقِياد له فندِم، - زعَموا - على أن لَم يؤمنْ بالرّسولِ ولم يتَّخِذ معهُ سبيلَ هدىً وحقّ، وتندَّم على اتِّخاذِه عُمرَ خليلا، وطاعتهِ في غصبِ عليّ الأمر، قالوا: وإلا فلا معنى للكتابة ممن لا يَخافُ الاستضرارَ ولا يتَّقي شرَّ العباد -
فيقال لهم: ليسَ العجبُ ممن يضعُ منكم هذهِ التُّرهات والخرافات إذا
كان إنما يضعُها على علمٍ منه بتكذِيبه وتجاهُله، إمّا لكوبه مُلحداً خلِيعا
متلاعبا بالدين وقاصداً بِما يصنعُه من ذلكَ الغَضَّ مِن سلفِ المسلمينَ،