فأمَّا تعلقُهم بالروايات عن أبي بن كعبٍ في هذا الباب وأنّه قال:"إنّا
كتا نقرأ سورة الأحزاب، فوالله الذي أنزل القرآن على محمد لقد كانت
توازي سورة البقرة، وإن فيها آية الرجم "، فإنّه لا تعلق لهم فيه أيضا، لأجل أن هذه الرواية عن أُبن لو كانت صحيحة ثابتةً لوجب أن يشتهر عن أبي الشهرةَ التي تلزمُ القلوبَ ثبوتها، ولا يمكن جحدها وإنكارها، لأن هذه هي العادةُ في مثل هذه الدعوى من مثل أبن في نباهته وعلو قدره في حُفّاظ
القرآن، فإذا لم يظهر ذلك عنه الظهورَ الذي يُلزم الحجّة بمثله عُلمَ بطلانُ
الخبر، وأنّه لا أصلَ له.
ومما يدلّ أيضاً على بطلان هذه الرواية أنه لا يجوز أن يضيعَ ويسقُطَ
من سورة الأحزاب أضعاف ما بقيَ منها فيذهبُ ذكرُ ذلك وحفظه عن سائر
الأمّة سوى أبيّ بن كعب مع ما وصفناه من حالِهم في حفظ القرآن والتدين
بضبطه وقراءته وإقرائه والقيام به والرجوع إليه والعمل بموجبه وغير ذلك من
أحكامه، وأنّ مثلَ هذا ممتنع في سائرِ كلامِ البشر الذي له قوم يعنون به
ويأخذون أنفسهم بحفظه وضبطه وتبحُّر معانيه والاستمداد فيما يثورهم منه
أو الاحتجاج به والتعظيم لقائله، فلأجل ذلك لم يجز أن يظن ظان أن "قفا
نبك" كانت أضعافَ مما هي كثيراً فسقط معظمها ولم يظهر ذلك وينتشر عند
رواة الدواوين وحفّاظ الشعر وأصحاب كتب الطبقات، ومصنفي غريب هذه