(فصلٌ في فضل عمرَ بن الخطّابِ رضي الله عنه وحفظِه للقرآن)
وأما عُمر بن الخطاب صلواتُ الله عليه فقد تظاهرت الرواياتُ عنه بمثل
ذلك، فروى الناسُ عنه أنّه كان يَؤُمّ الناسَ بالسُّوَرِ بالطوال، وحَفِظُوا عنه أنّه كان قرأ مرةً سورةَ يوسُفَ فبلغَ إلى قوله تعالى:(وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ) ، فأنشَجَ حتى سُمِعَ بكاؤُه من وراءِ الصّفوف، وأنه
قرأ يوماً سورةَ الأحزاب فلمّا بلغَ إلى قوله تعالى:(يَا نِسَاءَ النَّبِيِّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ) ، جهرَ جهراً شديداً، فقيل له في ذلك فقال:
"أُذَكِّرُهُن العهد".
وأنّه قرأ من سورةِ الحجِّ فسجدَ فيها سجدتَين.
وروى عبدُ الله بن عمرَ أنّه قال:"لقد رأيتُ أميرَ المؤمنين عمرَ بن
الخطّاب وأنّه لجالس على المنبر والمهاجرون والأنصارُ حوله يعلِّمُهم
الدينَ والقرآن كما يعلِّمُ الكاتبُ الغلمان " وكيف تكون هذه حاله وقدرَه إلا
وحفظُ القرآن سجِيّتُه وشأنه، وتلاوتُه دأبُه ودَيْدَنُه.