ولو قُصد بالتقصّي جميعُ ما روي عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وعن الصحابة والتابعين، وأئمة المسلمين من فضائل القرآن وقراءته، وما خصّ الله به أهله، لأخرَجَنا كثرةُ ما رُوي فيه عن غرض الكتاب، وإنما ذكرنا هذه الجمل في فضائل قراءة القرآن وحملته والاتعاظ به، وإيجاب الرجوع إليه، والتعلّق به، ليَعلم متأمّل الحال في ذلك أن من صريح عادات الناس في حفظ القرآن وما قصُر عن رتبته من أصول الشرع بخلاف ما تدّعيه الشيعةُ من اضطراب نقله، وذهابِ أهل الإسلام عن صحيحه من فاسده، وسلميه وسقميه، وزائده من ناقصه، وأنّ مثل هذا الاضطراب إذا لم يَجُز أن يقعَ في أشعار الشعراء، وخُطَب الخطباء، ورسائل البُلغاء، والأمثال السائرة، وسائر الأمور التي بالناس إلى علمها حاجةٌ مما ظهر أمرُه واشتهر، وقد بيّنا أن ظهور القرآن فوق ظهور جميع هذه الأمور، وأن بالناس إلى معرفة جميعه وترتيب نظمه والإحاطة به ومعرفة لُبابه ومخارجه: أتمّ فاقةٍ وأشدّ حاجة، وإذا كان ذلك كذلك ثبتَ بطلانُ ما يدّعونه من اضطراب نقل القرآن، وذهاب الناس عن علم صحيحه من سقيمه، وإمكانِ دخولِ الشبهة فيه والزيادة عليه والنقصان منه.
(فصلٌ) ، دليلٌ آخر: ومما يدل أيضاً على أن القرآن المرسومَ في مصاحفنا
هو جيمعُ كتاب الله الذي أنزله على رسوله، وفوَّض حفظَه وإثباته والرجوع
إليه، نقلُ جميع السلف والخلف الكثير من بعدهم الذين ببعضهم تثبت
الحجة وينقطعُ العذرُ أنّ هذا القرآن الذي في أيدينا هو جميعُ كتاب الله الذي
أنزلهُ وأمر بحفظه وإثباته والرجوع إليه، وقد عُلِمَ أن التشاجر والتراسل
واتّفاق الكذب متعذرٌ ممتنعٌ على مثلهم، فوجب لذلك العلمُ بصحة ما
نقلوه، وسقوطُ كل روايةٍ جاءت من جهة الآحاد بخلاف ذلك عن بعض
الصحابة والتابعين، وما يجوز أن يروى من ذلك ويُفتعل ويكذَّب في