وكذلك كل الذي وصفتم وأطنبتم فيه وأسهبتم يُوجِبُ لو كان على ما
ادعيتم ظهورَ أمرِ المعوِّذتين، وهل هما من كتاب الله ال منزَل أم لا، وأن
يرتفع اللبسُ والإشكالُ عن الصحابة في أمرِهما، وأن لا يخفى ذلك على
عبد الله بن مسعودٍ حتى يُخرِجَه جَحدُهما إلى حكِّهما من مُصحفِه، وإلى
أن يقول: "لا تُدخِلوا فيه ما ليسَ منه " وأن يقولَ إذا سُئلَ عنهما: "سألتُ
رسولَ اللهِ - صلى الله عليه وسلم - عن ذلك فقال: "قيل لي قل، فقلتُ "، فنحنُ نقولُ كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ".
وكان يجبُ أيضاً أن لا يختلفَ ترتيبُ المصاحف وفواتِحِها إن كان قد
وقفوا على ترتيبِ السُّوَرِ فيها، وقد رُوِيَ ذلك في اختلافٍ كثير سنذكر طَرَفاً منه عند القولِ في جمعِ أبي بكرٍ الصديق رضوانُ الله عليه للقرآن بينَ لوحَيْنِ، فواحدٌ يثبتُ فاتحةَ الكتابِ أوَّلهَ وآخَرُ يثبتُ (اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ) ، وآخرُ يثبتُ غير ذلك، ثم يخالفونَ أيضا بين ترتيبِ باقي السُّوَرِ، وكان يجبُ أن لا يختلفوا في عددِ آيِ القرآنِ ورؤوسِها، وقد ظَهَرَ من حالهم في ذلكَ ما لا خَفاءَ به.
وكانَ يجبُ على كافَّتهم العلمُ بأوَّلِ شيءٍ أُنزلَ منه وآخِره وارتفاعُ تنازعِهِم
في هذا الباب.
وكل هذا يدُلُّ دلالةً قاطعةً على بطلانِ ادعائكم لظهورِ نقلِ القرآنِ وكثرةِ
حفظته، وقيامِ الحُجّةِ على المكلَّفينَ بجمعيهِ، وأن بيانَ سائرِهِ وقعَ في
الأصلِ شائِعا ذائعا على حالةٍ تقتضي تظاهُرَ نقلِه وإحاطةَ الأمّةِ بمعرفته.
يقال لهم: ليسَ في شيءٍ مما ذكرتموه دليلٌ على فسادِ ما ادَّعَيناه، وبعض
ما ذكرتُموه قد وقفوا عليه وظهرَ بينَهم وحصلَ عليهم به، وبعضُه مما لم
يوقفوا عليه ولم تقُم الحُجةُ بِظُهُورِهِ، ولم تكن الحاجةُ إلى معرفتهِ كالحاجة