مكانَها (إِياكَ نَعبُدُ) آيةً منها كما رُوِيَ عن الحسن البصري، و (إِيَّاكَ
نَعبُدُ) لا تُشاكل أيضاً مثيلاتِها من آيات الحمد، فوجب إذ ذاك عدُّ بسم الله
الرحمن الرحيم آية منها وجعلُها من جُملتها.
فهذا عندَنا مما لا شُبهةَ فيه ولا تعلقَ لأحدٍ لأجلِ الاتفاق على أنه لا
يجب أن تكونَ آياتُ السورة كلها متساويةً متشابهة، لأن أهلَ البصرة قد
عَدوا (لذًةِ لِلَشَّارِبِينَ) آية من سورة الصافّات وفي سورة محمد صلى الله
عليه، وليست مُشبِهةً لآياتها، وعَدُّوا في لم يكن (مخلِصِينَ لَهُ اَلدِّينَ) آية
وليست مشاكِلة لما قبلَها ولا لما بعدَها، وعدَّ الناسُ جميعاً (إِذَاجَاَءَ نَصرُ
اللهِ وَاَلفَتْحُ) آيةً وهي لا تُشبِهُ ما بعدَها، وعدَّ أهلُ الكوفة في سورة طه (مَا
مَنَعَكَ إِذْ رَأَيتهُم ضلُّوَا) آيةً وهي غيرُ مُشبِهةٍ لشيءٍ من آياتِ طه، وعدُّوا في بني إسرائيل (يَخِرونَ لِلأَدقاَنِ سُجَّدَا) آيةً وليست كآياتها، ولو"تُتبعَ ذلك لكَثُر، وإذا كان ذلك كذلك بطلَت هذه الشُبهة.
والصحيح عندَنا أنّ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ليست بآية من الحمد ولا
من غيرها سوى سورة النمل فإنَّها قرآن من جُملتها، لأنّه قد ثبت وصحَّ أن
رسولَ الله - صلى الله عليه وسلم - ترك الجهرَ بها وإن كان قد رُوِيَ أنه ربّما جَهرَ بها وأن الأئمةَ بعده تركوا الجهرَ بها، وقد ثبت وجوبُ الجهرِ بجميع سورة الحمد في صلاة الجهر وموضِعِه، فلو كانت آيةً من الحمد لوجبَ الجهرُ بها كوجوبه في سائرِ آياتِها، لأنه لا وجهَ للجهرِ ببعض السورة في موضع الجهر وترك الجهرِ ببعضها، ولا مثلَ لذلك في الشرع ولا نظير، فهذا يدلُّ على أنّها ما تُستَفتَحُ بها السور، وأنّه لا يجبُ تقديمُها أمامَها، ولا اعتقادُ كونها أنها من جُملتها.