الشيطانُ آيةً من كتاب الله، وتركَ الناسُ آيةً من كتاب الله "، لأنّهم لو كانوا يقرؤونها لما قال ذلك، فهذا يدلّ على مخالفةِ الجماعة لهُ على قوله هذا
وتركِهم لقراءتها وذلك بأن يدلّ على فسادِ ما قالوه أولى.
فإن قيل: فإذا كان قد اعتمدَ عندَهم أنّها من القرآن وهم يعلمون أتها
ليست من القرآن، فلِمَ تركوا النكيرَ عليه، وأن يقولوا له: قد أعظمتَ الخطأَ والفريةَ في إدخالك ما ليسَ من القرآن فيه؟
يقال لهم: يكفي في الرد لقوله والخلافِ عليه تركُهم الرجوعَ إلى قوله
مع سماعِ ذلك منه وتكرُّرِه وكثرةِ ضجيجِه هو بقوله: "تركَ الناسُ آيةً من
كتاب الله، وسرقَ الشيطانُ آيةً من كتابِ الله "، لأنّ هذا القولَ مع ظهورِه منه يدل على أن القومَ لا يعتدّون بقوله هذا ولا يثبتون به بسم الله الرحمن
الرحيم قرآنا، ولعلّه أن يكونَ فيهم مَن قال في خلافه ما ذكروه وخرجَ عن
الإغلاظِ له إلى مثلِ ما وصفوه.
ويُمكنُ أيضاً أن يكونوا إنّما تركوا الإنكارَ عليه وأن يقولوا له في أخطأتَ
ليستْ من القرآن، لأجلِ أنه لم يتحقّق عندَهم أنّه اعتقدَ أنّها آيةٌ منزلةٌ من كل سورة، وظنهم أنّه اعتقدَ أنّه كلامٌ يُفتتح به السورُ والجُمَل، وأن السنةَ قد جرت بذلك عندَه، وأنه إنما قال: "سرقَ الشيطانُ من كتابِ الله آيةً، وتركَ الناسُ من كتابِ الله آيةً" يريدُ أنّه سرق منهُ ما يقومُ مقامَ آيةٍ مما جَرَت السنة عندَنا بالافتتاحِ به، وقد قال الله سبحانه:(فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ (٩٨) .
فلو تركَ تاركٌ الاستعاذةَ عندَ قصده عرضَ القرآن، لساغ أن يقول قائلٌ: سرق الشيطانُ الاستعاذة، وسرق آيةً من كتابِ الله، يريدُ بذلك أنّه سرقَ ما يقومُ مقامَ آيةٍ من الاستعاذة التي أُمِرَ بها.