وقرأ علقمةُ على عبد الله، وأنّ تأليفَ مصحفه كان (مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ) ، ثم
سورةُ البقرة ثم سورةُ النساء، ثم كذلك على ترتيبٍ مختلف لا حاجة إلى
الإطالةِ به، وأما مصحفُ أُبيّ فقد روى بعضُ ولد أنسٍ عن أنس أن مصحفَ
أُبي كان عنده، وأن أولَه الحمدُ والبقرةُ والنساءُ، ثم آلُ عمرانَ ثم الأنعامُ ثم
الأعرافُ ثم المائدةُ ثم كذلك على اخَتلافٍ شديدٍ في ترتيب السور.
وقد رُوِيَ من الاختلافِ ما هو أكثرُ من هذا، فإن جازَ أن يكونَ الرسولُ -
قد وقف على ترتيبِ السورِ وتأليفها، وقد ذهب عليهم علمُ ذلك حتى
صاروا في الاختلاف إلى مثل هذا الحد، فلِمَ لا يجوزُ أن ينُص على قرآنٍ
ويُوقِفَهم عليه وإن جازَ أن يختلفوا فيه عنده وأن يُقَر به قوم ويجحدَه
آخرون، وهذا يُبطل أيضاً ما ادعيتموه من ظهور نقل القرآن وحصول بيانه
على وجه يُوجبُ العلم ويقطع العذر.
فيقال لهم: أما اختلافُ مصاحفهم في ترتيب السُّورِ فإنه كالظاهر
المشهور وما يدفعه، وإن كان في الناس من يُنكرُ ذلك ويقولُ إن هذه
الأخبار أخبارُ آحادٍ غير أننا لا نقول - مع إثبات اختلافهم في ترتيب السور - إنه قد كان من الرسول صلى الله عليه توقيف على ترتيبها وأمر ضُيق عليهم في تأليفها إلا على حسب ما حده ورسمه لهم، بل إنما كان منهم تأليفُ سُوَرِ المصحف على وجه الاجتهاد والاحتياط وضم السُّوَر إلى مثلها وما يقاربُها، وإذا كان ذلك عندَنا كذلك سقط ما توهمه السائلُ -
وقد زعم قوم أنّ تأليف السور على ما هو عليه في مصحفنا إنما كان
توقيفا من الرسول لهم على ذلك وأمر به، وأن ما رُوِيَ من اختلاف
مصحف أبيّ وعلي وعبد الله ومخالفة سائرهم لمصحف الجماعة إنما كان
قبلَ العصر الأخير، وأن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رتب لهم تأليفَ السُّور بعد