رواه ابن جريج عن يوسف بن ماهك قال:"إني عند عائشة إذ جاءها عراقي فقال: أريني مصحفك، قالت: لم؟
قال لعلي أؤلف القرآن عليه، فإنا نقرؤه غير مؤلف، قالت: فلا يضرك أيُّهُ قرأت قبل، إنما نزل أول ما نزل من المفصل فيها ذكر الجنة والنار، حتى إذا تاب الناس نزل الحلال والحرام، لقد أُنزل بمكة - وأنا جارية ألعب - على محمد - صلى الله عليه وسلم - (وَالسَّاعَةُ أَدْهَى وَأَمَرُّ (٤٦) .
وما نزلت سورة البقرة والنساء إلا وأنا عنده"
ثم أخرجت إليه مصحفا، فجعلت تملي عليه.
فهذا أيضا نص من عائشة - رضي الله عنها - على سقوط فرض ترتيب سور القرآن، وأنه لا يجب أيضا تأليفه على تاريخ نزوله، ولو قد كان من الرسول - صلى الله عليه وسلم - نص في ذلك يوجب العلم ويقطع العذر لوجب شهرته، وأن تكون عائشة أقرب الناس إلى علمه وأعرفهم به، ولم تكن بالذي يقول لا تبالي بأيه بدأت قبل"
وهذا يدل على أنهم كانوا مخيرين في تأليف السور، وكان مردودا إلى رأيهم واجتهادهم.
فأما استلال من استدل على إسقاط وجوب ترتيب السور والمصحف وتأليفها على ما هي به في الإمام بأن الرسول - صلى الله عليه وسلم - كان يقرأ في إحدى الركعتين ويقرأ في التي بعدها بغير التي تليها، وأنه كان يعلم أن في الناس من يتحفظ السورة ويأخذ بعد الفراغ من حفظها في حفظ غير التي تليها، وأن فيهم من يتعلم المفصل قبل الطوال ويقتصر عليه، وأن فيهم من يدرس السور على غير هذا الترتيب الذي في المصحف فلا ينكر ذلك