للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للحضور إلى ذلك، والاجتماع للدعاء عنده والتبرك به وغيرِ ذلك مما

أصلُوه، وليس يدلُّ ذلك على وجوبِ التكبير ولا وجوبِ التأليف.

واحتجوا أيضاً لذلك بأنه قد رُوِيَ أنه كان عندَ عبد الله بن الزبير

مصحف فيه القرآنُ على نظمه وتاريخِه الذي أُنزل عليه وألف، وهذا باطل.

لأنها من رواياتِ الآحاد، وما رُوِيَ أن أحداً رأى هذا المصحف أو وجده.

ولو رُؤيَ ذلك لم يدل تأليفُه على ما هو به أنه مما أَمر الرسولُ بتأليفه

كذلك، لأن للناس آراءَ في التأليف، فلعل مُؤلًف ذلك المصحفِ رأى أن

يجمعَ سوره على تاريخ نزوله المكي منها ثم المدنيّ، وإن لم يمكنه ذلك

في آياتِ السُّوَر لما نُبينه فيما بعدُ إن شاء الله، فوجبَ بهذه الجملةِ أنّه لا

حجةَ لأحدٍ في صحة توقيفِ الرسولِ على تأليفِ سوَرِ القرآن وترتيبها في

التقديم والتأخير.

فإن قال قائل: فإذا أثبتم بما وصفتم أنه لا نصَّ في ذلك، وأنهم ألفوا

سورَه بالرأيِ والاجتهادِ وضمَ الشيء إلى ما أشبَههُ وقارَبه، فألا ألفُوه على

تاريخِ نزوله فبدأوا بالمكي منه قبلَ المدني، وبما أُنزل منه أولا ثم بما أُنزل

بعدَه على ترتيبِ نزوله، فيكونون بذلك أقربَ إلى الصوابِ وترتيبِ إنزاله أو إلى معرفةِ تاريخِ الناسخِ والمنسوخِ وما يُحتاجُ إليه في معرفة الأحكام؟

قيل له إنما لم يفعلوا ذلك لأنه أمر لا يصح إلا بنقضِ آياتِ سُورِ

القرآنِ وإفسادِ نظمِها وتغييرِها عما حُد لهم، وقد صحَّ وثبتَ أنه لا رأيَ لهم

ولا عملَ ولا اجتهادَ في ترتب آيات سُوَر القرآنِ على ما سنذكره فيما بعدُ إن شاءَ الله، وقبلَ أن نبيًن ذلك فإنا نقول: إن كل عاقلٍ يعرفُ فضلَ عقول

الصحابة ولطيفَ نظرِهم وقوة أفهامِهم ومعرفتِهم بالتنزيل وأسبابه، وأنهم

أولى الناسِ بصحيحِ الرأي والتدبير، فمَن ظن بنفسِه فضلَ تقدمٍ عليهم في

<<  <  ج: ص:  >  >>