أُبيّ إلا الإخبارَ بأنهما من وحي الله تعالى وكلامه، ولم يجد من سأل أصحابَ
عبد الله عندَهم إلا الإقرارَ بكونهما قرآناً وأنّه مذهبُ عبد الله، انقطعَ الكلامُ والخوضُ وقلّ خطرُه ودَرَسَ ذكرُه، وزالت الشبهةُ عن الناس في هذا الباب، فلما نبغ المُلحِدُون والمنحرفونَ والطاعنونَ على القرآن والسلَف ونصبوا الحبائل والغوائل في ذلك لأهل الإسلام وتطلَّبوا لكفرهم وبدعتهم الأباطيل والتعاليل أكثروا وأعادوا وأبدَوا بذكر سؤال زِرِّ لأبيٍّ عن ذلك، وسؤال من سأل أصحاب عبد الله عن هذا الباب، وخَيَّلوا للناس أنّ كل من سأل عن ذلك فإنّما كان يسألُ لدفعه أن يكون قرآنا، ولظهور شك الناس في ذلك ونزاعهم وتشاجُرِهم فيه، وليس الأمرُ في ذلك على ما أوهموا به، وإنما قصدُهم الطعنُ على الشريعة والقدحُ في نقل القرآن فقط، فأما أن يكون على أحد من الصحابة والتابعين شك في أنّ المعوّذتين من كلام الله تعالى ووحيه ومما أنزله على رسوله - صلى الله عليه وسلم - فمعاذ أن يكون ذلك كذلك.
فإن قالوا: فلم زعمتُم أنه ليس في شيءٍ مما ذكرتموه، وقلتُم إنّه هو
الذي طرقَ سوء التأويل على عبد الله، ما يدلُّ على أنّه لم يكن معتقداً لجحد
المعوّذتين وإنكاره أن يكون من كلام الله تعالى؟
قيل لهم: يدلُّ على ذلك أنّ إسقاطَه للمعوّذتين من مصحفه يحتمل
أموراً غير جحده لكونهما قرآناً وكلاماً لله تعالى، فمنها: أنّه يمكنُ أن يكونَ
إنّما لم يثبت الحمد والمعوّذتين في مصحفه لشهرة أمرهما في الناس وكثرة
الحقاظ لهما وفى دوام الصلاة بالحمد والمعوّذتين في كل ليلة، وكثرة تعوُّذ
الناس بالناس والفَلَق، واعتقاده أنّ حفظهما وحفظ الحمد في الناس فاشٍ
ظاهرٌ لا يحتاجُ معه إلى إثباتهما وتقييدهما بالخطّ، فدعاه ذلك إلى ترك