يُقالُ له: لا يجبُ ما قلتَه لأجل أنهم إذا ظهر بينهم نص الرسول صلّى
الله عليه بأنه منزَل على سبعةِ أحرفٍ ويكونُ ذلك على أسماعهم وعندَ التنازع
والترافُعِ إليه وتواترِ الخبر بذلكَ عنه على مَن لم يسمعه مِن فِيه: حصلَ
لجميعِهم العلمُ بأنهُ على سبعةِ أحرف، وإن لم يعرفوا تفصيلَ ذلك وظنوا أن
بعضَها إذا سمعوه ولم يكن تقدَّم علمُهم به ليسَ منها، ولهذا أن يعلمَ اليومَ
أكثرُ الناسِ بالخبرِ المتواترِ أنّ للقراءِ السبعةِ سبعةَ أحرفٍ يقرؤونها لا يشكُون
في ذلك، وإن لم يعرفوا تفصيلَها ولم يحيطوا علما بجميعها، ولم يعلموا
أنّ بعضَ ما يسمعونه يُقرَأ بشيءٍ منها هو مِن جملتها، وكذلك أكثرُ الناس
يعلم أن للرسول أحكاماً كثيرةً هيَ معظَمُ دينه وجُلُّ شريعته، وإن لم يعرف
تفصيلَها، ولم يحفظ ألفاظَ نصوصه - صلى الله عليه وسلم - عليها، وجَوَّزَ إذا لم يكن من أهلِ هذا الشأن أن يكونَ بعضُ ما يُحكى له من الأحكام ويُذكَرُ له فيه من الآثار ليسَ من جُملةِ ما استقرَّ في دينه ولا مما قاله ونصَّ عليه.
ولهذه العلة بعينها ساغَ لأبيٍّ وعُمرَ بنِ الخطاب وعبدِ الله بن مسعودٍ أن
يُنكروا بعضَ القراءاتِ التي سمعوها مخالِفةَ لما لُقِّنوه من الرسول، لأنَّهم لمّا
لم يكن كل واحدٍ منهم يحفظ جميعَ هذه الحروف ويحيطُ علماَ بتحصيلِها
وتفصيلها، ولم يكن مَن سمعوه يقرأُ ممَّن يُوثَق بضبطِه وحفظِه أو ممن
يُسكَنُ السكونُ التامُ إلى رضائه وأمانته، ظنوا به الغَلَطَ أو التحريفَ أو
القراءةَ على المعنى أو التساهلَ في ذلك، وكان أمرُ القرآنِ عندَهم أشدَّ
وأضيقَ من أن يقعَ فيه ضرب من التساهلِ أو التغافل، فلذلك خرجَ عُمرُ
وأُبيّ وعبدُ الله إلى ما خرجوا إليه، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ ما حاولوه من
القدح في نقلِ القرآن متى لم يبيِّن الرسولُ جميعَ هذه الأحرفِ ويُفصِّلْها لكل
الأمة مجتمعين أو لكل واحدٍ من الأمة، وزال جميعُ ما طالبوا به.