وأن عثمانَ لم يَحرِق شيئاً من المصاحف لتضمنها شيئاً من هذه القراءات، وأنّه إنما حرَّق منها ومنعَ من التمسك به لتضمنها شيئاً لم يثبت أنّه قرآن، وما أُثبتَ على خلاف ما أنزل الله، أو لتضمنه الآيةَ وتفسيرَها التي يخافُ على غير مثبتها توهمه لكون التفسير قرآناً، أو لتضمُّن تلك المصاحف لقرآنٍ كان أُنزلَ ثم نُسخَ ومُنع وحُظرَ رسمُه، فلم يعرف ذلك من سَمِعَهُ أو أثبته بذكره لنفسه لا ليجعل مصحفَه إماماً.
وقد روى رواية ظاهرةً أنّ عمر رضيَ الله عنه قال للنبي - صلى الله عليه وسلم - لما نزلت آية الرّجم: والشيخُ والشيخة فارجموهما ألبتّة، أثبتها يا رسول الله، فقال له: لا أستطيعُ ذلك لقوله عليه السلام إنه مما نُهيَ عن رسمه، ولو كان مما أمِرنا بإثباته لاستطاعَ أن يثبته ولم يكن لتركه وإجابة عُمر بأنّه لا يستطيع ذلك وجه.
فيجب إذا كان ذلك كله أخذُ المصاحف المتضمِّنة لمثل هذه الأمور
وتصفية آثارها والمنعِ من التمسُّك بها والانتساخِ منها إذا كان ذلك من
أجلبِ الأمورِ لفساد نقلِ القرآن وإدخال السنة والتخاليط فيه، وخلطِه بما
ليس منه على مارتبناه وبيّنّاه من قبل.
ووجبَ لذلك أن لا يكونَ بين عثمانَ وعبد الله وأبيّ خلافٌ في هذه
القراءات، وفي تسويغ جميعها وإطلاقه والقطعِ على أنَّها من عند الله جلّ
ذكره، وأنّه لا يجوز لعثمانَ ولا لغيره منعُ القراءة بشي، من هذه الأحرف
وحظره وتخطئةِ القارىء به وتأثيمِه بعد توقيف الرسول على صواب القارىء
بكل شيء منها، لأنّه لا يسوغ لأحد أن يُحرِّم ويحظر ما أحقه الله جلَّ وعزَّ
ويُخطَىءَ من حَكمَ اللهُ بصوابه، وحكم الرسولُ بأنّه محسنٌ مُجملٌ في قراءته،