وإن قالوا: بالضرورة يُعلمُ أن حكمَ الله تعالى بوجوب قطع السارق وجلدِ
الزاني وفرضِ الحجِ والصلاةِ دائمٌ مؤبدٌ على الأمَّة بغير شرط، قيل لهم: وبمثل هذه الضرورة يُعلم أنّ إطلاقَ رسولِ الله - صلى الله عليه وسلم - لهذه القراءات والحكمَ بصوابها مؤبَّد، ولا جوابَ عن ذلك، وقد أشبَعْنا هذا الكلام فيما سلف بما يغني عن إعادته.
وإذا كان ذلك كذلك ثبتَ صوابُ جميع هذه الأحرف والقراءات وإطلاقُها
على التأبيد، وأنّ الصحابة لم يكن بينهم خلافٌ في هذا الباب، وأنّه يجبُ أن
يُحملَ الأمرُ في كل خلاف رُوي عنهم في المصاحف والقراءات، خرجوا فيه
إلى المنافرة والإنكار والمنع من القراءة بما اختلفوا فيه، على أنّ ذلك
الاختلافَ ليس من هذه الأحرف السبعة والقراءات التي أحل الله سبحانَه
جميعَها في شيء، وإنّما هو في بعض ما تقدم ذكرُه ممّا لم يصحّ وتقوم الحجّة
بأنّه قرآنٌ منزل، أو فيما كان نزلَ ونُسخ أو فيما أُثبتَ من تأويل مع تنزيل على وجه التذكرة، أو مما أُسقطت كتابتُه وحُذف، وهو قرآن ثابت، قد أمرَ اللهُ سبحانَه به وألزمَ إثباتَه وقراءته، ونحو هذا مما يجبُ إنكارُه ومنعُه والمنافرةُ فيه، وهذه جملةٌ كافيةٌ في هذا الباب، وبالله التوفيق.