وقد يجوز أن يقول قائل: إن المباحَ كان من الأسماء المبدَّلة التي يسوغُ
وضعُ كل شيءٍ منها مكانَ غيره سبعة من أسماء الله فقط، حتى لا يلزمُه ذلكَ
في سائر أسمائِه تعالى، وذلك غير ممتَنع، إلا أنه لما اتفق المسلمون على
أنّه ليسَ في شيءٍ من أسمائِه تعالى الثابتُ في آيةٍ من الآي ما يُجَوزُ أن يُبدلَ
بغيره عُلم بذلك نَسْخُ ما تضمَّنه هذا الخبر من إطلاق هذا الباب ورفعه بعد
تحليله، وليس بمحالٍ أن ينزل اللهُ سبحانَه القرآنَ على وجهٍ ثم يُنسخ ذلك
الوجه من القراءة بغيره، كما أنه ليس بمحالٍ أن يُنزله في الأصل إلا على
وجهٍ واحدٍ وليس بمحال واحد، وليس بمحالٍ رفعُ التلاوةِ نفسِها ونسخِها
بعد إنزالها وإيجاب القراءة لها، وإذا كان ذلك كذلك ثبت ما قدمناه.
فأمَّا الوجهُ الثالثَ المرويُّ تفسيرُه عن بعضِ التابعين، فهو ما قدَّمنا ذكرَه
عن عمرو بن الحارث وابن لهيعةَ روايتان رواهما بُكير:
إحداهما: أن عمرو بن العاص قرأ آيةً من القرآن فسمعَ رجلاً يقرؤها
خلافا لقراءتِه، فقال من أقرأكَ هذا، فقال: رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، فذهبَ به إليه، فذكرَ له وقرأ عليه كلاهُما، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أصبتُما، إن القرآن نزل على سبعة أحرف "، فقال بُكير: وذُكر لي أنه قيل لسعيدِ بن المسيب: ما سبعةُ أحرف، فقال: كقولك هَلُمّ وتعالَ وأقبِل، وكل ذلك سواء.
وهذا التفسير وإن كان مما لا يلزمنا قولُه والقطعُ على صحتِه لكونه مذهباً وقولاً لسعيد بن المسيب ولا سأل بكير عن ذلك سعيد.
وقولُه: بلغني أن سعيداً قيل له، ولم يَذكر من بقغه ذلك عن سعيد، فإنّه يمكن أن يكون صحيحاً، وأن يكون الله سبحانَه قد كان أباحَ للقارىء في صدرِ الإسلامِ أن