الكتاب واحدة، فحكى سبحانه السؤالَ والطلبَ عنهم في قوله: ((رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا) للإخبار عنهم بأنّهم قد بوعد بين أسفارهم، وقد كان من أهل سبأ أمران لأنهم سألوا الله سبحانه أن يفرِّقهم ويباعد بين أسفارِهم فحكى ذلك عنهم، فلمّا فعلَ ذلك بهم وأجابَهم إلى مسألَتهم، أخبروا عن أنفسهم بأن الله أجابَهم وباعدَ بينَ أسفارِهم، فحكى اللهُ تعالى ذلك عنهم.
وكذلك قوله: (لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ) ، لأن فرعون
قال لموسى: إنَّ ما أتيتَ به السحرُ والتخييل، فقال موسى مُخبراً عن نفسه:
إنني ما أتيتُ إلا بآيات وبصائر، وقال أيضاً لفرعونَ مرةَ أخرى: لقد علمتَ
أنت أيضًا أن ما جئتُ به بصائرَ وآياب ليست بسحر، فحكى الله تعالى
الأمرين جميعا، وهما صحيحان يأتيان غيرَ متضادين ولا متنافيين، وكذلك
كلّ ما وردَ من هذا الضرب.
فهذا الذي ذكرناه والله أعلمُ هو تفسيرُ السبعة الأحرف دون جميع ما
قدمنا ذكره، وقد أخبَرْنا فيما سلف أنَّه لا يجبُ علينا الإخبارُ عن عددِ
اللغات والأوجهِ السبعة، وذكرُ أجناسِ الاختلاف بينها وضروبه إذا لم يكن
عندنا توقيف في ذلك، وهذه جملةٌ كافيةٌ في هذا الباب إن شاء الله.
فإن قالوا: فإذا قلتم إن الحروفَ المنزلةَ إنما هي قراءات وأوجه مختلفة
بإعرابٍ مختلف، كالضمِّ والفتح والكسر، أو إمالةٍ وترك إمالة، أو إدغامٍ
وترك إدغام، أو قلب حرف إلى حرف، أو تقديم وتأخير وزيادة حرف في
الكلمة أو نقصان حرفٍ منها، لا غير ذلك، فكيف سمّى رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - هذه الأوجه والحركات والإعراب المختلف وقلبَ الحرف إلى غيره حرفاَ، والإعراب الذي هو الضمُ والفتحُ ليس بحرف، وإمالةُ الحرفِ ليس بحرفِ وقلبُ الحرفِ إلى غيره ليسَ بحرف، وإبدالُ الاسم بحرفٍ وتقديمُ الكلمة