احتملت هذه الرواية ما ذكرناه بطل أن تكونَ دلالةً على اعتراف أبي موسى
بنقصان القرآن الباقي الرسم وذهابِ الأمَّة عن حفظ كثير منه.
وأمَّا قوله:"إن الأحزاب كانت مائتي آيةٍ وخمساً وسبعين آيةً فذهبَ
منها مئتا آية، وقولهم له: ذهبَ من سورةٍ واحدةٍ مئتا آية، وقوله: نعم وقرآنٌ كثير، فإن معناه أيضاً - إن صح - أنه نُسخ قرآن كثيرٌ من سورةِ الأحزاب ومن غيرها فذهبَ حفظُه لمّا سقطَ وزالَ فرضُ تلاوته، نُسخ رسمُه، وكذلك قوله: إنّ (لم يكن) كانت مثلَ البقرة فبقي منها سبعُ آياتٍ معناه: أنها نُسخَ أكثرُ رسمِها وبقيَ منه سبعُ آيات، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ توهمُهم، وظن من ظن بأبي موسى أنه اعتقدَ في نفسِه وباقي أمّة محمّد - صلى الله عليه وسلم - أنَّهم قد ذهبوا عن حفظِ قرآنٍ كثيرٍ ثابت باقي الرسم، وهذا واضح في بطلان قولهم.
وكذلك الجواب عمّا يَرْوونه في هذا الباب من نحوِ قولِ عبد الله "إنه
كان إذا سمعَ الإنسانَ يقول مع فلانٍ القرآنُ كله يقول: ما يدريكَ لعلَّه قد
ذهبَ قرآن، فما وُجدَ بعد" ونحوُ روايةِ عبدُ الله بنُ عباسِ عن أبي أنه سمعه
وقد قال له رجل: "يا أبا المنذر إني قد جمعت القرآن، فقال له: ما يدريكَ
لعله قد سقطَ قرآن كثير فما وُجد بعد".
وأنّ عائشةَ رضوانُ الله عليها قالت: "واللهِ لقد أنزلت رضاعةُ الكبير
عشراً ورجمُ المحصن فكانت في ورقةٍ تحت سريري، فلّما قُبضَ رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -