وقد بيَّنا ذلك وأوضحناه في كتاب "أصول الفقه " بما يُغني الناظرَ فيه، وبينت
ذلك أنها قَرَنَت نَسخَ العشرِ رضعاتٍ المحرّماتِ بنسخِ آية ِ الرجم، وهي
قوله: (والشيخ والشيخة) ، وقد عُلِمَ أنَّها إنّما نُسِخَت تلاوتُها بسُنَّة، فبينَتْ ذلك لا بقرآن.
وقولُها: "لقد كانت مكتوبة في ورقةٍ تحتَ سريري " يدلُّ أيضاً على
ذلك، لأنّه دلالةٌ على قلّة الحفظِ له والاحترازِ والاعتناءِ بحِياطته، لأنّ
عادتَهم في الثابتِ الباقي الرسم صيانتُه وجمعُه وحراستُه دونَ طرحِه في
الظهورِ تحتَ الأسِرّة والرجْلِ وبحيثُ لا يُؤمَن عليه، فأما إذا نُسِخَ وسقطَ
فرضُه جازَ تركُ حفظِه والاعتناءُ به، وجُعِلَ ما يُكتب فيه ظُهُورا يُنتفَعُ به
ويثبِتُون فيها ما يُريدون.
وقولها: "فدخل داجِنُ الحي فأكله " لا يدلُّ على أنه لم يكن عند أحد
غيرها لم يأكله مِن عنده شيء".
وقولُها: "ولقد كان يُقرأ إلى أن مات رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم -، وكان ممّا يُقرأ" تعني به أنه كان مما يحفظه كثير من الناس أقربَ عهدٍ بنسخِه، ولم تقُل بالخبر: "إنه كان مما يُقرأ" على أنه ثابت باقي الرسم، ونحنُ اليومَ نقرأ ذلك ونقرأ ما رُوِيَ لنا من المنسوخ على سبيل الحفظ والمذاكرةِ به، وكما يَقرأ كثير منا التوراةَ والإنجيلَ والزَّبوُرَ لا على أنه واجب علينا حفظُه وتلاوتُه، وإذا كان ذلك سقطَ أيضا التعلقُ بهذه القصة.
فأمَّا ما ذكروه من القرآنِ المُنزَلِ في بئر مَعُونة فإننا لا نُنكِرُ أن يكونَ ذلك
صحيحة قد كان، إلا أنه قد نُسِخَ وزال لأن نسخَه مرويّ، ولأنه لو كان ثابتا باقيا لوجبَ نقلُه وحفظُ الأمَّةِ له كأمثاله مِن القرآنِ الثابت، وقد قال أنس - رضي الله عنه -