بمواقعته صلى الله عليه للشرك، وقال تعالى:(وَلَئِنِ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ) ، ولم يقتض ذلك علمه بأنه يتبعُ أهواءهم، وقال
تعالى:(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ) ، فحثة وحضَّه على أداء ما حُمِّل، وقال له:(فَاصْدَعْ بِمَا تُؤْمَرُ)
، ولم يوجب أن يكون تعالى قد عَلِم من حاله صلى الله عليه أنه
سيترك البلاغ والصّدع بما أنزل، بل المعلومُ من حاله أنه سيفعلُ ذلك ويبالغُ
ويجتهدُ في حُسن القيام بهِ والحرص عليه، فهذا إذا تجرد لم يدل على أنه لا
يُبلغُ ما أنزل إليه، فكيف به إذا انضم إليه قولُه تعالى:(لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ (١٢٨) .
في أمثال هذه الآيات مما خبّر فيها عن مناصحته صلى الله عليه واجتهاده وإيذائه في الله جل وعز، وكذلك تجرّدُ أمره للأمة بطلب العلم ونهيهم عن تضيعيه لا يدلان على أنهم سيضيعونه، فكيف بهم إذا انضمّ إليهما ما وصفناه من إخبار الله تعالى ورسوله أنَّهم لا يزالون على الحق ظاهرين، وأن دينهم ظاهر على الأديان وأنه سيمكنهُ لهم، في أمثال ذلك، فإذا كان ذلك كذلك سقط ما توهموه ُ في هذا الفصل.
ثم يقال لهم: أليس قد قال رسولُ الله - صلى الله عليه وسلم - ما وصفتُم، وإن علمنا أن الأمة لم تعبُد ولا أحد منهم عندَ غيبتهِ عنهم في غزواته عجلاً ولا وثنا، ولم يقُولوا ولا أحد منهم: يا محمدُ اجعل لنا إلها كما لهمُ آلهة، ولا
قالوا له: أرنا الله جهرة ولا أخذتهمُ الصاعقة.
فإذا قالوا: أجل، قيل لهم: فما أنكرتُم أيضاً أن لا يكونوا حرَّفوا القرآن
ولا غيروا نظمه، وإن كان قد فعل ذلك أهلُ الكنائس وأنه يجبُ لأجل ما
وصفناهُ أن نعلم أنه أراد سلوك سنَنَهم في كثيرٍ من سيرتهم وأبواب دنياهم.