إياه فكان ذلك لو فعله من أوضح حُجَجِه على ظلمهم وأقوى أسبابه، وذريعةً إلى ما يدعون الناس إلى البراءة منهم والكشف عما يدعونه من ضلالاهم.
وبعد: فأيُّ تُقية عليه بعد حصول الأمر له وإشهارِ سيفِه وقتلِ من قتلَ
بصفينَ والبصرة، ونصب الحرب بينه وبين مخالفيه فيما هو دون تغييرِ القرآن
وامتناعه من إقرارِ معاويةَ على الشام، وقوله: (وَمَا كُنْتُ مُتَّخِذَ الْمُضِلِّينَ عَضُدًا) .
فقد كانَ يجبُ أيضا أن يكشفَ الحال في تغيير القوم للقرآن
وذكر ما فيه من نقصان، ويكون جهاده على ذلك أعظمَ وتعلُّقه به أشد.
وكان لا أقل مِن أن يترك إظهارَ متابعة القوم أن يقرأ ويُقرىءَ بقراءتِهم إذ لم
ينفرد بقراءةِ حرفٍ غيرَ ما كانوا يقرؤون كانفراد ابن مسعود وترك متابعته له، وكان ذلك كافيا في تشكك القوم وانقطاع التهمة والريب ولكان أعذر له من اتباع القوم على ما كانوا عليه.
وبعد: فكيف أمكن خلافُ عبد الله بن مسعود وزالت عنه التقيةُ في
انفراده بحرفه ومنافرته لهم في تركِه وإخراج مصحفه إليهم وتركِ متابعته لهم
على قراءةٍ يعلم أنها منزلةٌ له ومباحةٌ مطلقة، واستبداده بحرفه إلى حين
رجوعه إلى قولهم، ويتميزُ الحقُ له، ولم يُمكَن علي أن ينفرد عنهم، ويُظهر
ما عنده ويصنع كصنيع ابن مسعود، وقد رآه فارق الجماعةَ فلم يُقتل صبراً
ولا خيف ولا سُجن، وقد كانَ عليه السّلام أقوى نفسا وأعز عشيرةً وأكثرَ
شيعةً وأنصاراً من عبد الله بن مسعود، فقد كان يجب أن يفعل كفعله حتى
يكون ذلك عذراً له وحجةً لشيعته والمتَبعين له، ولو كان ذلك قد وقع
لوجبَ علمنا به على حد ما وصفناه، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ تعلُّقهم
بالتقية بطلانا ظاهراً، وصح تسليمُ عليٍّ عليه السلامُ على إقراءه الجماعة
وفرقهم والمتابعة لهم على ثبوت نقلِ القرآن وصحّته من حيثُ لا يمكن دفعه