جميع الناس أم بخبر بعضهم، فإن قالوا: بلقاء جميع الناس بُهِتوا وكابروا
ولزمهم أن لا يعلموا تصديق جميع الناس بشيءٍ من الأخبار، إذ كان لقاء
جميع الناس متعذراً، وإن قالوا: بخبر بعض الناس عن باقيهم أنهم مصدّقون
لما نقل وغير مخالفين فيه، قيل لهم: فإذا جاز أن تكون الجماعاتُ الكثيرة
التي نَقلت عن الرسول الحمدَ والمعوذتين و (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ)
قد افتعلوا وتكذبوا واعتمدوا التحريف والتغيير فيما أخبروا أنه عنه، أو وهموا أو ظنوا الأمرَ بخلاف ما كان، ونقلوا ما لا أصلَ له، فما يؤمنكم أن يكون من نقل إليكم ظهورَ النبي في العالم وأنه لا مخالفَ له في نقله لذلك كاذبا
في نقله أنّه لا مخالفَ له، وأن يكون في الناس مَن يخالف في ذلك، فإن
نقل هذا البعض أنه لا مخالف له فيما نقله فلا يجدون إلى دفع ذلك سبيلاً.
وهذا يبطل عليهم طريق العلم بأنه لا مخالفَ على النقل.
ويقال لهم إذا وجب إبطالُ الخبر واطّراحه لوجود الخلاف في نقله.
فإن كان قد نقله أهلُ تواترٍ وجب اطّراحه أيضاً لجواز كون الخلاف وإن لم
يتيقَّن، ولجواز حدوث الخلاف عليه في المستقبل ولا فصلَ في ذلك.
ثم يقال لهم: إذا جاز على الجماعاتِ الكثيرة نقلُ الكذب فيما خولفت
عليه، فلمَ لا يجوز عليها نقل الكذب فيما لم يتخالف عليه، فإن جاز الكذب
على أهل مصر ومصرَين فلمَ لا يجوز على أهل جميع النواحي والأمصار.
وسائر الشرق والغرب.
فإن قالوا: العادة تمنع من ذلك في أهل سائر الأمصار، قيل لهم:
وكذلك هي تمنع منه في أهل مصر واحدٍ ومسجدٍ واحدٍ وقبيلةٍ واحدة.
ونَقَلةُ القرآن عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أكثرُ عدداً من أهل أمصار وأقاليم كثيرة فوجب بذلك تصديقهم، وإحالة الكذب والغفلة والتوهم عليهم.