المصحف الذي في أيديكم منطويا على وصف الهادي الباري تعالى بغير
صفته نحو قوله: (وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ (١٤٧) .
موضوعة للشك وهو مستحيل في صفته.
وقوله: (وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى (١٧) .
وهذا لفظ استخبار واستفهام، وهو ممتنع على علام الغيوب.
وقوله: (وَهُوَ الَّذِي يَبْدَأُ الْخَلْقَ ثُمَّ يُعِيدُهُ وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ) .
وذلك يقتضي أن خلقَ بعض الأشياءِ أصعبُ وأشق عليه من غيره الأهون
منه، وهو موجبٌ لأن يكون ممن يناله الوصبُ والتعب، يتعالى عن ذلك.
ووجدنا فيه أخباراً متنافية متناقضة نحو قوله: (ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا) ، بعد إخباره في أول القصة
بأنه خلق الأرض قبل السماء.
وقوله في آية أخرى: (أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) .
يريد بعد خلق السماء وبنائها، وذلك خلف وتناقضٌ من القول.
ووجدناه أيضاً منطويا على ما لا معنى له، وعلى كنايات عن قوم لا
وجه لترك ذكرهم وإظهار أسمائهم، نحو قوله: (لَيْتَنِي لَمْ أَتَّخِذْ فُلَانًا خَلِيلًا (٢٨) .
وأمثال هذا مما سنذكر في كل فصل منه جملة مقنعة إن شاء الله.
قالوا: وقد عُلم أن هذا الاختلاف والتخليط واللّحنَ والتناقضَ والتكرارَ
للقصة بعينها على وجه يقتضي العي واللكنة والإطالة بما لا معنى له، لا
يجوز أن يكون وارداً من عند العليم الحكيم، فوجب أنه من تحريف جامعي
المصحف وغلطهم، أو إلباسهم وعنادهم، وإدغالهم (١) للدين وأهله
وإدخالهم فيه ما ليس منه.
(١) أي: إفسادهم، انظر "مختار الصحاح" مادة (دغ ل) .