وما الفرق بينَ أن لا يسمى بضربٍ من الضلال وبينَ أن لا يسمّى بشيء منه.
ولجازَ أيضاً أن لا يُسمّى بالهُدى والطاعة من ابتدأ بالهُدى والطاعة، وأن لا
يُسمّى بذلك إلا من كان منه هدىً وطاعات قبل ذلك، وهذا عندهم ظلم
وتخليط وخروج عن مقتضى اللغة والاشتقاق، وإيجاب الأحكام فبانَ أنّه لا
تعلق لهذا الفريق بهذا الباب.
والفريق الثاني: منهم من خلّط على أصله ولم يحقق، يتسرعُ إلى القول
بأن الله يضلُ على وجه الجزاء على إضلال سلفٍ وزيغٍ مقدر، ولذلك قال:
(فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ) .
فيقال لهم: قد قدرتم بأن الله يضل ويخلقُ الضّلال في الضالين على
وجه الجزاء فكأنه عندكم يفعل القبيح والجهلَ والذهابَ عن الحق على وجهِ
الجزاءِ والانتقام، وهذا ترك لقولكم إنّه لا يفعلُ الكفر إلا كافر، ولا يفعلُ
القبيحَ إلا سفيه ولا يفعلُ العصيانَ والشر إلا عاصٍ شرير، فإذا جاز أن
يفعلَ الله ذلكَ أجمعَ على وجه الجزاء، وإن لم يكن سفيها ولا عابثا ولا
موصوفا بهذه الأفعال الواقعة منه فما أنكرتم أن يفعل ذلك ابتداءً وإن لم يكن
سفيها شريراً، ولم يوصف بشيءِ من أسماء هذه الأفعال، وهذا تركُ قولهم.
ويقال لهم: وكيف جاز عندكم أن يضل من كان منه ضلال متقدم، ولم
يجب عليه نقله عن ذلك الضلال ورده عنه وإرشادُه إلى الحق، وهذا بدأه
بالضلال كابتدائه وفعل ما هو عندهم مذموم فاعلُه في الشاهد، وممن وقع
منه.
فإن قالوا: إنما أرادَ بالضلال الواقع منه على سبيل الجزاء الحُكم
والتسمية بالضلال، تركوا قولَهم ولحقوا بالفريق الأوّل وكُلّشموا بما كُلِّموا به من قبل.