ونحو هذا، وأن ذلك منقوضٌ بقوله تعالى: (كُلَّمَا نَضِجَتْ جُلُودُهُمْ بَدَّلْنَاهُمْ جُلُودًا غَيْرَهَا لِيَذُوقُوا الْعَذَابَ) ، ولا جُرْمَ - زعموا - للجلود التي لم تكن
عليهم في الدنيا، ولم تصحبهم، وتكون من جملتهم وقتَ المعصية، فعقابُ
جلودهم وإيلامها على ذنبٍ لم يكن منها ولا هي من جُمْلته وقتَ
اقترافهما: ظلم وعدوان، فإنه باطل لا تعلق فيه من وجوه:
أحدُها: أن الأمرَ في هذا ليس على ما يدَّعونه عند أهل الحق من أن
إيلامَ الحي على غير جُرمٍ ولا لعرض ظلم، وإنَّما يكون ذلك ظلماً ممن
ليس له فِعله، ومن نُهيَ عنه وتجاوز ما حُدَّ له وتصرَّف في مِلْكِ غيره.
والذي هو أمْلكُ بالمخلوقات منه، واللهُ تعالى ليس هذه سبيلَ إيلامه لما آلمه
من خلقه، وقد أتلفَ الأطفالَ في الدنيا وأباحَ إيلامَ الحيوان وذبحَه وسلخَه
وأكلَه، وكدَّه وحملَ الأثقال عليه لغير ذنبٍ ولا لغرض، كان مصير
البهائم إليه بجزاءٍ وثواب وعذاب، وذلك حَسَن وعدلٌ منه.
والجواب الآخر: إنما أراد بقوله: غيرها أنَّها كلما نضجت واحترقت
فصارت حُمَماً أُعيدت حينئذٍ رطبةً مؤتلفةً محتمِلةً للألم والعقوبة، فقيل
غيرها أي أُعيدت كالذي كانت، وعلى صفتها التي صارت بالاحتراق إليها.
كما يقول جاءني زيد اليوم بغير الوجه الذي فارقني به بالأمس، أي: بغير
صفة الوجه التي كان عليها، وكذلك قولُهم: زيد هذا الذي عرفناه وأنت غير الذي كنَّا نعرفك، يعنون تغايُرَ صفاتِه دون ذاتِه.
ويمكن أيضاً أن يُقال: إن العذابَ إنقا هو على الأرواح دون الخَلْق.
فإذا عَظُمت جلودهم وأُنضِجَت آلمت أرْواحَهم، وهي المُعاقَبَةُ دون الجلود،