مدحا فهو قبيح، وإن لم يكن مدحا فما فائدته، فإنه لا تعلقَ فيه، لأنّنا
نقول: هو مدح وإن لم يكن قبيحا لثلاثِ أوجه:
أحدها: أنّه امتدح لغير اجتلاب منفعه ولا دَفْعِ مضرة، وليس كذلك
سبيل مادحُ نَفْسه منّا، ولذلك قَبحُ أن يمدح نفسه.
والوجه الآخر: أنه إنما يَقْبُح المدحُ منّا بكل صفةٍ لأنه لا بد أن يلحقنا
نقص فيها، والباري على غاية الكمال والتناهي في أوصافه.
والثالثة: أنه إنما قَبُح أن نمدحَ أنفسنا، لأنّ غيرنا هو الجاعل لنا، واللهُ
سبحانَه لم يجعله جاعل على ما هو به من الصفات، فحسن منه لذلك مدحُ
نفسه.
وقد يجوز أن يكون قال ذلك ليعلِّمنا كيف نَمْدَحه ونثْني عليه لا ليمدحَ
هو نَفسَه، ويجوز أيضا أن يكون قال ذلك الكلامَ في معنى التكرار وفوائده.
فأما تعلقهم بقوله تعالى: (وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ) .
وقولُهم: إن الموات والجماد والأعراضُ لا يجوز أن تسبح، فإنه لا تعلُّقَ فيه لأنّه إنّما أراد بذلك وإن من شيءٍ ناطقٌ حي إلاّ يسبح بحمدِه، ولم يرد كل ما يقع عليه اسم شيء، وقد يجوز أن يكون أرادَ وإن من شيءٍ ناطق مؤمنٍ مصدّقٍ إلا يسبح بحمده، لأن الكافر والمجنونَ والطفلَ أحياءٌ ناطقون غيرُ مسبحين له، وقد قيل إنّه أراد بالتسبيح في هذه
الآية الإخبارُ عن فاقَتِه وحاجَتِه إلى مدبرٍ يدبره ومقيمٍ يقيمه، فكأنَّه قال: لو
كان كل مخلوقٍ يعرف نفسَه وخالقَه لسبّح بحمد خالقه، واعترف بربوبيّته
لموضع حاجته وافتقاره إليه.