أنه نزلَ بلسان العرب، وما تعرفه وتعقله في عادة خطابها، ولا نقولُ بالوقف
على قوله:(إِلَّا اللَّهُ) بل الواو عندنا في قوله: (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ) واو نسقٍ وعطف، وأن جميعَ ما رويَ عن بعض المفسرين وأهل اللغة أنه لا يعرفُ له تأويلاً، فإنّه معروفُ المعنى والتأويل عند غيره، ومما قد كشفَ اللهُ سبحانه
عن المراد بواضح أدلته، وبين براهينه، وإذا كان ذلك كذلك بطلَ توهُّمهم
أنّ الله سبحانه قد أنزلَ في كتابه ما لا يعرفُه أهلُ اللغة ولا طريقَ للخلقِ
جميعا إلى معرفة المراد به.
فإن قالوا: فلا معنى على هذا التأويل لقوله: (وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) ، لأنّ ما
قد أوضحَ الدليل على المراد به وعُرف به معناه فليس بمتشابه.
قيل لهم: ليس الأمرُ على ما ظننتم لأن ما عُرفَ بالدليلِ إذا كان ظاهرُه
محتملاً لتأويلاتٍ مختلفة، فهو مشتبهٌ على من أهمل وصدفَ بنفسه عن
صحيح النظر، وعلى من نظر واجتهدَ إلى أن يعلم ويعرف المراد به، وتزول
الشبهةُ والريبُ عن قلبه،، وهو أيضا مشتبة على من ارتدَّ عن دينه، واعتقد الجهلَ وصحّة الشبهات بعد معرفته وصحيح نظره، لأنه إذا لم يكن طريقُ معرفة المراد بالمتشابه الضرورات ودرك الحواسِ وتركيبَ الطباعِ والعادات، ولا صيغة للكلام بظاهره، جازَ أن يُلحق الناسُ فيه ما وصفناه، وكلما كان الشيء المقصودُ بالآية ألطف وأغمض، كانت معرفتُه أصعب وأبعد، وكان الاشتباهُ فيه أكثر، وكلّما قرب كان أجلى وأظهر، ولو كان كلّ قولٍ إلى معرفةالمراد به سبيلا وطريقا غير متشابه، لم يجز على هذا أن، يكون في كلام البلغاء والشعراء أو الخطباء والعرب العاربة شيء متشابه، ولوجب أن تكون الخاصة والعامة في منزلة متساوية، وطبقةٍ واحدة، من معرفة اللغة، وإثبات المعاني، وغامض الإعراب، ومعرفة غريب الشعر والحديث،