(فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ) ، قيل لهم: فليسَ في هذا شيءٌ من التكرارِ
المستكرهِ بل هو الفصاحةُ وما عليه عادةُ أهل الخطاب.
فأما قولُه تعالى في المرسلاتِ: (وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ) فهو: أنه ذكر
فيها، تعالى أمراً بعد أمرٍ من خلقِهم وأهلِ الكفر والطغيانِ من عبادِه خلَفِهم
بسلَفِهم ثم قال عقيبَ كل شيءِ يذكره من ذلك فويل يومئذِ للمكذبين بهذا
الشيء الأول، الذي ذكرتُه، ثم ويل يومئذٍ للمكذبين بالشيء الثاني الذي
ذكرتُه، فالويلُ الثاني غيرُ الويلِ الأولِ وربما كان لغيرِ من له الويلُ الأولُ كأن
المكذبَ بالويلِ الأول مما ذكره غيرُ المكذب الثاني، لأنّه تعالى قال:
(أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ (١٦) ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ (١٧) كَذَلِكَ نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ (١٨) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (١٩) .
بإهلاكنا الأولين وإلحاقنا بهم الآخرين، ثم قال: (أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ مِنْ مَاءٍ مَهِينٍ (٢٠) فَجَعَلْنَاهُ فِي قَرَارٍ مَكِينٍ (٢١) إِلَى قَدَرٍ مَعْلُومٍ (٢٢) فَقَدَرْنَا فَنِعْمَ الْقَادِرُونَ (٢٣) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ (٢٤) .
ثم كذلكَ أخبرَ بالويلِ لمكذّبِ كلِ شيءٍ غعده ووصفَه من نعمه ونقمِه ووجوبِ أفضالهِ وحكْمِه، فخرجَ ذلك عن أن يكونَ تكرارا لأن القائلَ قد يقولُ لغيره، ألم نُنعِم عليكَ بإيوائكِ وأنت طريد، أتكذبُ بهذا، ألم أُهْلك عدوكَ وأَنْصُر وليكَ ومَنْ نَصرك، أتكذّبُ بهذا، ويقولُ: ويل لمن كفر نعمتي وويل لمن جحدَ حقّي، وويل لمن ظلمني وويل لمن كذبَ على، في أمثالِ ذلكَ مما لا يعدُّه أحد من أهلِ اللسان عيًّا ولا لَكْنًا وإطالةً وتكراراَ.
وأمَّا: قولُه تعالى في سورةِ القمر: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) فهو جارٍ أيضاً على
هذه السبيل، لأنه تعالى عدَّد فيها نعماَ وأفْضالاً وعقاباً وانتقاماً وأموراً متغايرة، ثم قال عقيبَ كل شيءِ من ذلك: (فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) يعني مُتعِظٍ ومنزجرٍ بهذا، لأنه قالَ تعالى: (وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) .